عمله: وأظلم الشك الدائم حياته، ولم يكن ذلك بغير سبب، فلم يثق في أحد، وكان يخفي أغراضه، ويحقق أهدافه بوسائل مشروعة أو غير مشروعة. وأنشأ محكمة ستارتشمبر لمحاكمة النبلاء المشاغبين، الذين بلغ سلطانهم حداً يخشى منه على التأثير في القضاة المحليين والمحلفين. وذلك في جلسات سرية. واستطاع عاماً بعد عام أن يخضع الأرستقراطية المتخلفة، وطبقة رجال الدين الخائنة للملكية. وعارض بعض الأفراد الأقوياء، القضاء على الحرية وتعطيل البرلمان، ولكن الفلاحون صفحوا، عن ملك كبح جماح سادتهم، وأثنى الصناع والتجار عليه، لعمله الحكيم على النهوض بالصناعة والتجارة. ولقد وجد إنجلترا في فوضى إقطاعية، وحكومة جد فقيرة، لا سمعة لها بحيث تحصل على الطاعة والولاء، وخلف لهنري الثامن دولة محترمة منظمة، مؤتمنة موحدة وفي حالة سلم.
[٢ - نمو الثروة الإنجليزية]
من الواضح أن ثورة عام ١٣٨١ العظيمة لم تسفر عن كسب ما. فلم يزل الكثير من فروض العبودية يؤخذ قسراً، بل إن مجلس اللورادت قد رفض بعد ذلك بزمان، في عام ١٥٣٧ قانوناً يقضي بالتحرير الكامل لعبيد الأرض. وازداد الضيق على "العامة"، وأصبح آلاف من رقيق الأرض المتحررين عمالاً يدويين في المدن لا يملكون شيئاً، وقال توماس مور، إن الأغنام كانت تأكل الفلاحين .. وكانت هذه الحركة طيبة من بعض الوجوه: فقد كانت الأغنام الراعية للكلأ، تسمد الأرض المشرفة على البوار, وما إن جاء عام ١٥٠٠ حتى كان واحد في المائة من السكان فقط عبيد أرض. فنشأت طبقة من الفلاحين الملاك، الذين يزرعون أرضها بأنفسهم وهي التي منحت تدريجياً للرجل الإنجليزي العادي، الشخصية المستقلة القوية التي صهرت الكومنولث وكونت دستوراً غير مكتوب لحرية غير مسبوقة.