ولم يعد النظام الإقطاعي مجدياً، لأن الصناعة والتجارة ارتقيتا بحيث اتخذتا الطابع القومي، وتحولتا إلى اقتصاديات المال المنقول المرتبطة بالتجارة الخارجية. فحينما كان رقيق الأرض ينتج لسيده، لم يكن عنده إلا حافز ضئيل للتوسع أو الإقدام، ولكن عندما يستطيع الفلاح المتحرر والتاجر، أن يبيعا إتناجهما في السوق الحر، فإن الرغبة الملحة في الربح تبعث الحياة الاقتصادية في الأمة، وأخذت القرى ترسل مزيداً من الطعام إلى المدن، وتنتج المدن مزيداً من السلع للوفاء بثمن هذا الغذاء، هكذا تجاوز تبادل الفائض، حدود البلديات القديمة وقيود النقابات لتغمر إنجلترا، وتصل إلى ما وراء البحر.
وتحولت بعض النقابات إلى "شركات تجار" صرح الملك لها أن تبيع المنتجات الإنجليزية في الخارج. وكانت معظم التجارة الإنجليزية تحمل في القرن الرابع عشر على سفن إيطالية، أما الآن فإن البريطانيين يبنون سفنهم، ويسيرونها في بحر الشمال والساحل الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. وقاوم تجار جنوه والاتحاد الهنسياتي، هؤلاء الوافدين الجدد، وحاربوهم بالقرصنة ومصدارة السفن، ولكن هنري السابع، اقتنع بأن تقدم إنجلترا يتطلب التجارة الخارجية، فوضع الملاحة الإنجليزية في حماية الحكومة، وأعد مع أمم أخرى، اتفاقيات تجارية، أقرت النظام والأمن البحريين. حتى إذا وافى عام ١٥٠٠، كان "التجار المغامرون" في إنجلترا، يسيطرون على بحر الشمال. وكان الملك بعيد النظر فأوفد وهو يستشرف التجارة مع الصين واليابان الملاح الإيطالي جيوفاني كابوتو، الذي عاش إذ ذاك في بريستول باسم جون كابوت، ليبحث عن ممر شمالي عبر الأطلنطي (١٤٩٧). وقنع كابوت، باكتشاف نيوفوندلاند، والساحل من لبرادور إلى ديلاوير في رحلة ثانية (١٤٩٨)، ومات في تلك السنة، وتحول ابنه سيباستيان إلى خدمة أسبانيا. وربما لم يدرك الملاح والملك أن هذه الرحلات، استهلت