يتناول هذا الكتاب: كيف واجه ملوك أوربا خطر الثورة الفرنسية ونابليون؟ لم يكن هذا في رأي مؤلفي هذا الكتاب (ول ديورانت وزوجته) بالحرب فقط، فالحروب كما يقول لنا المؤلفان هي الألعاب النارية في التاريخ (راجع الفصل ٢٦)، وإنما كان في الأساس - وببساطة - بأن نقلوا إلى بلادهم ما وجدوه حسناً متمشيا مع روح العصر في هذه الثورة الفرنسية. لقد أخذوا بشيء كثير من التنظيمات النابليونية والقوانين النابليونية، بل لقد أخذوا من الدستور الفرنسي (راجع على سبيل المثال الفصل الخاص بالإمبراطورية الروسية، خاصة القسم المتعلق بالإمبراطور اسكندر) واتخذوا خطوات للقضاء التدريجي على الإقطاع بإتاحة ملكية الأرض لكل أبناء الوطن الواحد كخطوة تمهيدية ليصبح الجميع ملاكا (راجع على سبيل المثال جهود شتاين Stein في الفصل الخاص بألمانيا)، ورغم أنهم راحوا يركزون على الدين ويحمون الكنائس التقليدية في بلادهم كأداةٍ جماهيرية فعّالة في مواجهة الملحد نابليون - على حد قولهم،
إلا أنهم أيضاً وجدوا من الحكمة أن يأخذوا بما طبَّقه نابليون من حرية اعتقاد للأقليات الدينية بل وحماية المنشقين عن الكنيسة الرسمية شريطة ألا يهددوا الأمن العام، بل وإعطائهم معظم حقوق المواطنين العاديين (كما حدث في روسيا وألمانيا والنمسا) وإن تقاعست أسبانيا والبرتغال عن هذه الخطوة لأسباب تاريخية. بعد أن اتخذ ملوك أوربا هذه الإصلاحات أتى دور الألعاب النارية التي حقق فيها ملوك أوربا النصر العسكري على نابليون، بعد أن كانت تحالفاتهم ضدّه.
قد فشلت تحالفاً إثر تحالف. وبذلك جنت شعوب أوربا كلها ما في الثورة الفرنسية من جوانب إيجابية وتحاشت سلبياتها التي اكتوت بنارها فرنسا من حروب داخلية، وصراع طبقي دام ومقصلة جزّت من الرؤوس أكثر مما جز أي سلطان عثماني كما يقول المؤلفان في معرض تقويمهما الحصيف للدولة العثمانية. ولم تكن هذه أول حالة في التاريخ ينتصر فيها المهزوم انتصاراً حضاريا على هازميه، فالمؤرخ الأمريكي روم لاندو يذكر لنا أن المغول بعد أن اجتاحوا العالم الإسلامي، بل ودمروه، اعتنقوا دين ضحاياهم الأرقى حضارة وفكرا وأخذوا بمؤسساتهم