للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو إلى هذا كله يعني بعض العناية بموتاه، ويعبدهم عبادة لا تسمو إلى عبادة الآلهة السالفة الذكر. فهو يدفنهم في توابيت من الصلصال أو في جرار ضخمة، لأنهم إذا لم يدفنوا على هذا النحو قد يعودون إلى الحياة الدنيا. وهو يعمل على أن يظلوا راضين قانعين تحت الأرض بأن يضع معهم قدراً غير كثير من الطعام، وأدوات الزينة، ودمى صغيرة من الصلصال في صورة نساء يقمن على خدمتهم أو يواسينهم إلى أبد الدهر. وهو يعمد أحياناً إلى الخداع مدفوعاً برغبته في الاقتصاد الذي يطيقه تشككه البدائي، فيستبدل بالطعام الحقيقي حيوانات من الصلصال يضعها في القبر إلى جانب موتاه. وإذا دفن ملكاً أو نبيلاً أو تاجراً مثرياً وضع مع جثته بعض الصحاف الثمينة أو الحلي التي كانت ملكاً لصاحب هذه الجثة، ويضع أدوات الشطرنج مع اللاعب الماهر، ومجموعة من الآلات الموسيقية مع الموسيقى، وقارباً مع من كان مولعاً بركوب البحار. ألا ما أكثر مايدل عليه هذا العمل من عطف على الأموات! وهو يأتي إلى القبر في مواسم معينة ليقدم للموتى قرباناً من الطعام يحفظ عليهم حياتهم، وهو يرجو أن يستقبل ردمنثس Rhademanthus الإله العادل ابن زيوس فلكانوس الروح الذي تطهر ليهبه السعادة والسلام اللذين لا بقاء لهما على ظهر هذه الأرض.

[٤ - الثقافة]

وأصعب ما يواجهنا في حضارة الكريتيين هو لغتهم. فالكريتي حين يستخدم الحروف الهجائية اليونانية بعد غزو الدوريين بلاده، إنما يستخدمها ليدون بها كلاماً يختلف كل الاختلاف عن الكلام اليوناني المعروف وأقرب منه شبهاً بلغات الشرق الأدنى المصرية والقبرصية والحبشية والأناضولية. وقد اقتصر في أقدم العصور على الرموز التصويرية، ثم بدأ حوالي ١٨٠٠ ق. م