هذا إلى أن أنيتوس كان يشمئز من نقد سقراط للديمقراطية (١) ويقول: "أي سقراط! إني أظنك مفرطاً في استعدادك لأن تتحدث بالشر عن الناس، فإذا قبلت نصحي أشرت عليك أن تصطنع الحذر، ولعله لا توجد قط مدينة ليس إيذاء الناس فيها أيسر من عمل الخير لهم، وتلك بلا شك حال أثينة نفسها"(١٦٤) وأخذ أنيتوس يتربص به الدوائر.
[٣ - فلسفة سقراط]
وكان من وراء هذه الطريقة فلسفة مراوغة، تجريبية، تجري على غير نظام، ولكنها فلسفة بلغ من جديتها وحقيقتها أن مات الرجل في واقع الأمر من أجلها. وقد يبدو لأول وهلة أن ليست هناك فلسفة سقراطية، ولكن أكبر السبب في هذا أن سقراط قبل نزعة بروتاغوراس النسبية فرفض النزعة التحكمية ولم يكن واثقاً إلا من جهله.
وقد حكم على سقراط لأنه لا يؤمن بالدين، ولكنه مع هذا كان يعبد آلهة المدينة بلسانه إن لم يعبدها بقلبه، ويشترك في احتفالاتها الدينية، ولم يعرف عنه أنه نطق مرة بكلمة تدل على عدم تقواه (١٦٦). وكان يعترف بأنه يتبع في جميع قراراته الهامة السلبية روحاً Diamonion داخلياً كان يصفه بأنه إشارة من السماء، ومن يدري فلعل هذا الروح كان هو الآخر سخرية من سخريات سقراط وتهكماته، فإن كان كذلك فإن سقراط لم يكن ينفك يؤكد دعواه هذه تأكيداً عجيباً، ولم تكن هذه الدعوى إلا مثلاً من أمثلة عدة لالتجاء سقراط إلى النبوءات والأحلام وقوله إنها وحي من عند الآلهة (١٦٧). وكان يقول إن في الكون من الأمثلة الدالة على التناسق المدهش العجيب، ومن الخطة الواضحة المرسومة، ما لا يصح معه
(١) ولعل أنتيوس، كما يؤكد لنا بلوتارخ وأثينيوس، كان يعشق ألقبيادس ولكن ألقبيادس لم يبادله الحب وفضل عليه سقراط.