ثم أتى الاحتلال الفرنسي لدول ألمانيا، والضرائب الباهظة والتجنيد الإجباري لشباب ألمانيا لدفع ثمن الحماية الإمبريالية والتكاليف الحربية لنشر الحرية. وعاما بعد عام راح حماس الألمان للثورة الفرنسية يخبو ويهمد وراح الذين دافعوا عن الثورة الفرنسية بالأمس ينسلون واحدا إثر واحد من مواقفهم السابقة (عدا كانط) وخاب أملهم فيها وتشككوا في أهداف فرنسا، بل وتحول بعضهم إلى معادين لها غاضبين عليها.
٢ - فيمار WEIMAR
كان الرجال الذين شكلوا كوكبة من العباقرة في بلاط فيمار كالملجأ الفكري للمفكرين الألمان خلال فترة التأثير غير المستقر للثورة الفرنسية ونابليون. لقد كان الدوق تشارلز أوغسطس Charles Augustus هو نفسه متقلب المزاج متعدد المواهب.
لقد ورث الدوقية وهو ابن عام واحد وأصبح حاكمها الفعلي وهو في الثامنة عشرة من عمره (١٧٧٥) واستمد تعليمه العام من أستاذ خاص، واكتسب مزيدا من المعارف والخبرات من خلال مسئولياته في الإدارة، ومن خلال نزوات خليلة ومن خلال أخطار الحرب والصيد، ولم يكن صالون أمه أقل شأناً فقد تعلم منه الكثير، ففي هذا الصالون كان يلتقي الشعراء والجنرالات والعلماء والفلاسفة ورجال الدين والمهتمون بالأمور العامة مع بعض نسوة ألمانيا الأكثر ثقافة واستواء فطرة يتبلون أحاديثهم المفعمة بالحكمة المتوارثة باللباقة والذكاء ولا يحسبون من أعمارهم يوما يمر دون أن يشهد الواحد منهم علاقة غرامية مكتومة (لا يعرف بها أحد). لقد ذكر جان بول ريشته Jean Paul Richter: " آه هنا لدينا نساء! .. كل شيء هنا يتم بجرأة ثورية"،
حتى إن المرأة المتزوجة لا تعني شيئا وفي سنة ١٧٧٢ دعت الدوقة (التي كانت هي نفسها نموذجا للفضيلة البهيجة) العالم والشاعر والروائي كريستوف فيلاند Christoph Wieland ليأتي كي يشرف على تعليم ابنيها تشارلز أوغسطس وكونستنتين (قسطنطين Konstantin) فأدى مهمته بتواضع وكفاءة وظل في فيمار حتى مات. وكان في السادسة والخمسين من عمره عندما قامت الثورة الفرنسية فرحب بها، لكنه طلب من الجمعية الوطنية في فرنسا أن تأخذ حذرها من حكم الغوغاء: وكان هذا في خطاب عالمي وجهه في أكتوبر ١٧٨٩: