"ولدت بجنيف في ١٧١٢، ابناً لإسحاق روسو وسوزان برنار، المواطنين". والكلمة الأخيرة كانت تعني الكثير، لأن ألفا وستمائة فقد من بين سكان جنيف العشرين ألفاً كانوا يملكون اسم المواطن، وسيشارك هذا العامل في تاريخ جان-جاك. وكانت أسرته فرنسية الأصل، ولكنها وطنت في جنيف منذ ١٥٢٩. وكان جده قسيساً كلفنياً، وقد ظل الحفيد في صميمه كلفنياً طوال تطويفه الديني كله. أما أبوه فكان من أقطاب صناعة الساعات، رجلاً خصب الخيال لا يستقر له قرار، أتاه زواجه (١٧٠٤) بصداق قدره عشرة آلاف فلورين. وبعد أن أنجب غلاماً ترك زوجته (١٧٠٥) ورحل إلى الآستانة حيث مكث ست سنوات ثم عاد لأسباب مجهولة، "وكنت الثمرة الحزينة لهذه العودة"(٨) وماتت الأم بحمى النفاس بعد أسبوع من مولد جان جاك "جئت إلى العالم أحمل إمارات قليلة جداً على الحياة، بحيث لم يكن هناك كبير أمل في الإبقاء عليّ". وكفلته خالة له وأنقذته، وهو عمل "أغتفره لك دون تحفظ" على حد قوله. وكانت الخالة يجيد الغناء والترتيل، ولعلها بثت فيع ذلك الشغف بالموسيقى الذي لازمه طيلة حياته. وكان طفلاً عبقرياً، تعلم القراءة في زمن وجيز، ولما كان أبوه إسحاق مولعاً بالقصص الرومانسية، فقد راح الوالد والولد يقرءان الروايات المختلفة في مكتبه أمه الصغيرة. ونشئ جان-جاك على مزيج من القصص الغرامية الفرنسية، وتراجم بلوتارخ، والفضائل الكلفينية، وجعله هذا المزيج قلقاً مهزوزاً. قد وصف نفسه وصفاً دقيقاً بأنه "أبيٌ هش في وقت معاً، في خلقي أنوثة وهو مع ذلك خلق عاتٍ لا يقهر، دأب على وضعي في موضع التناقض مع نفسي لأنه متذبذب بين الضعف والشجاعة، وبين الترف العفة (٩) ".
وفي ١٧٢٢ تشاجر أبوه مع رجل يدعى الكابتن جوتيه، فأسال الدم