كان لليهود وقتئذ شريعة ولكن لم تكن هناك دولة، كان لهم كيان، ولم يكن لهم وطن. ذلك أن أورشليم ظلت إلى عام ٦١٤ مدينة مسيحية، وإلى عام ٦٢٩ فارسية، وإلى عام ٦٣٧ مسيحية مرة أخرى، ثم ظلت من ذلك الوقت إلى عام ١٠٩٩ حاضرة إسلامية. وفي ذلك العام الأخير حاصرها الصليبيون، وانضم اليهود إلى المسلمين في الدفاع عنها، فلما سقطت في أيدي الصليبيين سيق من بقي فيها حياً من اليهود إلى إحدى بيعهم وأحرقوا عن آخرهم (١)، ولما استولى صلاح الدين على المدينة عام ١١٨٧ أعقب ذلك ازدياد سريع في عدد اليهود، واستقبل السلطان العادل أخو صلاح الدين ثلاثمائة من أحبارهم الذي فروا من إنجلترا وفرنسا في عام ١٢١١ استقبالاً حسناً. لكن ابن نحمان لم يجد فيها بعد خمسين عاماً من ذلك الوقت إلا حفنة صغيرة من اليهود (٢)، ذلك أن سكان بيت المقدس كانوا قد أصبحوا كلهم تقريباً مسلمين.
وظل اليهود كثيري العدد في سوريا والعراق وفارس الإسلامية رغم ما لاقوه في بعض الأحيان من الاضطهاد ورغم اعتناق عدد منهم دين الإسلام. وأضحت لهم في ربوعها حياة اقتصادية وثقافية ناشطة قوية. ولقد ظلوا في شئونهم الداخلية،