إن فلسفة عصر من العصور تصبح في الأحوال العادية أدب العصر الذي يليه، ذلك أن الآراء والمسائل التي يتجادل فيها الناس في ميدان البحث والتفكير تكون في الجيل التالي أساس مسرحياته وقصصه وشعره. لكن الأدب في بلاد اليونان لم يتأخر عن ركب الفلسفة، لأن الشعراء كانوا هم أنفسهم فلاسفة، يفكرون لأنفسهم، وكانوا في مقدمة أرباب العقل والتفكير في زمانهم. ولذلك فإن النزاع الذي قام بين التحفظ والتطرف والذي اضطرب به دين اليونان وعلومهم وفلسفتهم قد تردد صداه أيضاً في الشعر والتمثيل بل وفي كتابة التاريخ نفسه. وإذ كانت براعة الصورة الفنية قد اجتمعت في الأدب اليوناني إلى عمق التفكير، فقد وصل أدب العصر الذهبي إلى درجة من الرقي لم يصل إليها الأدب في العالم كله مرة أخرى إلا في عصر شكسبير ومنتاني.
وبسبب هذا العبء الثقيل من الأفكار ولعدم وجود طبقة من الملوك أو الأشراف يناصرون الأدب ويشجعون الأدباء، كان القرن الخامس أقل غناء من السادس في الشعر الغنائي بوصفه فناً مستقلاً. وكان بندار أداة الانتقال بين العصرين: فقد ورث الصيغة الغنائية من العصر الذي قبله ولكنه ملأها