الوجوه واحداً من جماعة الفلاسفة، ولم يبحث كثيراً في عقيدته الكلفنية الجديدة. واستغرقه الآن الإشراف على طبع "مقاله" الثاني الذي قدر له أن يهز الدنيا أكثر مما هزه سابقه.
[٧ - جرائم الحضارة]
في نوفمبر ١٧٥٣ أعلنت أكاديمية ديجون عن مسابقة أخرى، أما السؤال الجديد فكان "ما الأصل من عدم المساواة بين البشر، وهل يقره قانون الطبيعة"؟ يقول روسو "استرعى انتباهي هذا السؤال الخطير، وأدهشني أن الأكاديمية اجترأت على طرحه للنقاش، ولكن ما دامت قد أظهرت شجاعتها … فقد عكفت فوراً على مناقشته (١٠٦) ". وأختار لبحثه هذا العنوان "مقال في أصل وأسس عدم المساواة بين البشر". وفي شامبري في ١٢ يونيو ١٧٥٤ أهدى هذا المقال الثاني "إلى جمهورية جنيف" وأضاف خطاباً موجهاً إلى "سادتها الحاكمين" الرفيعي الشرف والمجد، يعرب عن بعض الآراء الفذة في السياسة:
"في بحوثي عن خير القواعد التي يمكن أن يرسيها الإدراك السليم عن تكوين الحكومة أدهشني أن أجدها كلها تحققت فعلاً في حكومتكم، بحيث أنني لو لم أولد بين أسوار مدينتكم لرأيته لزاماً عليّ أن أقدم هذه الصور عن المجتمع الإنساني إلى ذلك الشعب الذي يبدو أنه انفرد دون سائر الشعوب بحيازته لأعظم مزاياهم، ووفر لنفسه أفضل وقاية من مساوئها (١٠٧) ".
ثم هنأ جنيف بعبارات تصدق تماماً على سويسرا اليوم:
"بلد انصرف عن شهوة الغزو الهمجية لافتقاره السعيد للقوة، وأمن بفضل موقعه الأسعد حظاً من خوف الوقوع غنيمة في يد غيره من الدول: مدينة حرة تتوسط عدة أمم، لا مصلحة لواحدة منها في العدوان عليها، ومصلحة كل منها في منع غيرها من هذا العدوان (١٠٨) ".