كان أكثر الكتاب تألقا في هذا الأوج الألماني هم أولئك الذين روعوا عصرهم بصيحات الغرائز وانفلاتها من قيود العقل، وانفلات المشاعر من أحكام الفكر وانفلات الشباب من حكم كبار السن وانفلات الفرد من ضوابط الأسرة والدولة. إن القليلين منّا هم الذين يقرءونهم هذه الأيام لكنهم كانوا في جيلهم ألسنة لهب تشعل النار في المفكرين والمثقفين الذين كانوا مهيئين لها، وفي الروابط الاجتماعية التي تحبس النفس - المحلقة بطبعها - داخل قيود العادات والمحرمات taboo والأوامر والقانون.
وكان مصدر هذه الثورة هو الاستياء الطبيعي الذي ينظر من خلاله أي مراهق للقيود التي يفرضها الوالدان والإخوة والأخوات والمعلمون والدعاة ورجال الشرطة والنحاة والمنطقين وعلماء الأخلاق. ألم يثبت الفيلسوف الذائع فيشته Fichte أن الحقيقة الأساسية لكل منا هي وعيه الفردي بنفسه؟ وإن كان الأمر كذلك، فإن الكون لا يعني لأي منا شيئا سوى ما يتعلق بتأثيره في الشخص نفسه، وقد يحق لأي منا أن يتوقف أمام التراث والتقاليد والمحاذير والقوانين والعقائد ليطلب السبب الذي يجعل طاعتها لازمة أو بتعبير آخر من حق الفرد أن يتساءل لم يجب عليه احترام التقاليد والموروثات والمحاذير والقوانين والعقائد.
إن المرء قد يرضخ لوصايا الله خوفاً منه، أو لوصايا أحد رجال الله الذين اكتسوا بالقداسة، لكن كيف يكون الأمر وقد تحول الله عند ديدرو Diderot ودالامبير d'Alembert وهيلفيتيوس دهولباخ ولامتري إلى مجرد قوانين موضوعية تسيّر الكون؟
وقد أضيفت الآن الثورة إلى حركة التنوير الفخورة المتحررة لقد ذابت التقسيمات الطبقية، فأولئك اللوردات الذين كانوا ذات يوم يصدرون القوانين وينتزعون الطاعة أصبحوا الآن يسارعون إلى الهرب. فلم يعد هناك حاجز بين الطبقات، ولم يعد هناك غول من الموروثات والتقاليد يساند القوانين. الآن أصبح في استطاعة أي فرد أن يكمل طريقه ليصل إلى أي وضع وأي سلطة، وله أن يختار الطريق إلى المقصلة. لقد فتح الطريق أمام أصحاب المواهب وأصحاب المخالب. لم يحدث أبدا في تاريخ الحضارة المعروف أن كان الإنسان على هذا القدر من الحرية - حرية أن يختار عمله ومشروعه ورفيقه وزوجه (أو زوجته) ودينه