للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأتباع العديدين خصوصاً من طبقة النبلاء وأحياناً من الأكليروس. وجلبت إلى إيطاليا بعض مؤلفات مونثسكو وفولتير ورينال ومايلي وكوندياك وهلفتيوس ودولباخ ولامتري. ونشرت طبعات من "الموسوعة" بالفرنسية في لوكا ولجهورن وبادوا. ووصلت حركة التنوير إلى إيطاليا بدرجة متواضعة وفي صورة ميسرة لمن يقرؤون الفرنسية. ولكن الإيطالي أعرض عن الفلسفة، وأعرض عنها عمداً؛ وعن قناعة في الأكثر الأعم. فلقد كان هواه ومهارته في إبداع أو تذوق الفن والشعر أو الموسيقى، وبدا له الجمال المحسوس أو المرئي أو المسموع أفضل من حقيقة رواغة لا يضمن إطلاقاً إشاعتها البهجة في نفسه. ومن ثم فقد ترك الدنيا تناقش وتجادل بينما انصرف هو إلى شدوه وغنائه.

[٢ - الموسيقى]

اعترفت أوربا للموسيقى الإيطالية بمكان الصدارة وقبلت آلاتها وأشكالها، ورحبت بمزاياها، وتوجت كبار مغنيها الخصان واستسلمت لأوبراها الشجية قبل جلوك وعلى الرغم منه وبعده. وأم جلوك وهاسمي وموتسارت ومئات غيرهم إيطاليا ليدرسوا موسيقاها، وليقفوا على أسرار "الغناء الجميل Bel cant (" ( الملعلع) من بوربورا أو يتسلموا مدالية بادري مارتيني.

يقول بيرني في معرض حديثه عن البندقية، "إذا سار اثنان معاً يتأبط أحدهما ذراع الآخر، بدا كأنهما لا يتحدثان إلا غناء. فكل الأغاني هناك ثنائيات". (٩) وكتب إنجليزي آخر "في ميدان القديس مرقص يرفع رجل من عامة الشعب-حذاء أو حداداً مثلاً-عقيرته بأغنية، وللتو ينضم إليه أشخاص على شاكلته ويشدون بهذه الأغنية في عدة أصوات، بضبط وذوق ندر أن يصادفهما المرء في أرقى المجتمعات في بلادنا الشمالية (١٠).

وكان العشق الواقف تحت نافذة حبيبته يداعب أوتار قيثارة أو مندولين كما يداعب قلب عذرائه. وحمل مغنو الشارع أنغامهم إلى المقاهي والحانات، وفي الجندول كانت الموسيقى تعانق هواء المساء، والصالونات والأكاديميات