والمسارح تحيي الحفلات الموسيقية، والكنائس ترجها أصوات الأراغن وفرق المرتلين، وفي الأوبرا كان الرجال ينتشون طرباً والنساء يغبن عن الوعي عند سمع لحن من المغنية الأولى أو الخصي المغني. وفي حفلة سمفونية أحييت في روما في مكان لا تغطيه غير نجوم السماء (١٧٥٨) سمع موريلليه عبارات عاطفية مثل (إيه أيها المبارك! يا للذة الكبرى! أكاد أموت طرباً!)(١١). ولم يكن من غير المألوف في دار الأوبرا أن نسمع النشيج يتردد بين الجمهور النظارة.
وأحب القوم آلاتهم الموسيقية حباً فوق وفاءهم للجنس الآخر، وسخوا بالمال ليجعلوا منها تحفاً صنعت بدقة من الخشب الثمين وطعمت بالعاج أو المينا أو رصعت بالأحجار الكريمة، وربما زين الهارب أو القيثارة بالماس (١٢). وكان سترايفاري قد ترك في كريمونا تلاميذ له مثل جوزيني انطونيو جوارنيري ودومنيكو مونتانيانا واصلوا العلم بسر صنع الفيولينات والفيولات والفيولنشلات النابضة بالحياة. وظل الهاربسكورد (الذي كان الإيطاليون يسمونه كلافيتشمالبو) إلى نهاية القرن الثامن عشر آلة المفاتيح المفضلة في إيطاليا رغم أن بارتولوميو كريستوفوري كان قد اخترع البيانو-فورتي بفلورنسة حوالي ١٧٠٩. وحظي كبار عازفي الهاربسكورد مثل دومنيكو سكارلاتي، أو الفيولينه مثل تارتيني وجمنياني، في هذا الدجيل بشهرة دولية. فكان فرانشسكو جمنياني بمثابة "لست" أو كما لقبه منافسه تارتيني "مجنون" القوس (إلفوريبوندو). وحين وفد على إنجلترا في ١٧١٤ حظي بشعبيته في الجزر البريطانية أغرته بالإقامة هناك معظم سنيه الثماني عشرة الأخيرة.
وقد شجع ظهور أمثال هؤلاء العازفين المهرة على إنتاج الموسيقى الآلية، وكان هذا هو العصر الذهبي للمؤلفات الموسيقية الإيطالية للفيولينة. فاتخذت شكلها الآن-خصوصاً في إيطاليا-الافتتاحية، والمتتالية، والصوناتا، والكونسرتو، والسمفونية، وكلها ركز على اللحن والإيقاع، لا على الكونتراينت البوليفوني الذي كان آنئذ بالغاً أوجه ثم مختتماً حياته مع يوهان سبستيان باخ. وكما أن المتتالية انبثقت من موسيقى الرقص، فكذلك انبثقت الصوناتا من