كان البابليون تجاراً، ومن أجل هذا كان نجاحهم في العلم أيسر من نجاحهم في الفن. لقد أوجدت التجارة علوم الرياضة، وتعاونت مع الدين على إيجاد الفلك. وكانت الأعمال المتعددة التي يقوم بها كهنة أرض الجزيرة، من قضاء بين الناس، وهيمنة على المصالح الحكومية، وزراعة وصناعة، وعرافة وخبرة بالنظر في النجوم وفي أحشاء الحيوانات- كانت الأعمال التي يقوم بها هؤلاء الكهنة حافزاً لهم على أن يضعوا على غير علم منهم، أسس العلوم التي كانت في أيدي اليونان الملحدين سبباً في إنزال الدين من مركز الزعامة والسيطرة على العالم.
كانت علوم البابليين الرياضية تستند إلى تقسيم الدائرة إلى ٣٦٠ درجة، وتقسيم السنة إلى ٣٦٠ يوم. وعلى هذا الأساس وضعوا نظاماً ستينياً للعد والحساب بالسنين. وهو النظام الذي نشأت منه فيما بعد النظم الاثنى عشرية التي تعد بالاثنى عشرات. وكانوا لا يستخدمون في العد إلا ثلاثة أرقام- منها علامة للواحد تتكرر حتى تكون تسع علامات متماثلة للرقم ٩، وعلامة ثانية للرقم ١٠ تتكرر حتى تصل إلى ٥٠، وعلامة للرقم ١٠٠؛ وكان مما سهل لهم عملية العد والحساب أن وضعوا جداول لا تقتصر على ضرب الأعداد الصحيحة وقسمتها بل تشمل أيضاً أنصاف الأعداد الرئيسية وأثلاثها ومربعاتها ومكعباتها. وتقدم علم الهندسة حتى كان في وسعهم ان يقدروا المساحات المعقدة ومساحات الأشكال غير المنتظمة. وكانوا يقدرون النسبة التقريبية (النسبة بين محيط الدائرة وقطرها) بثلاثة وهو عدد تقريبي لا يليق بأمة من الفلكيين.