كيف حدث أن رجلاً ولد فقيراً، وفقد أمه عند مولده، ثم هجره أبوه بعد قليل وابتلي بمرض أليم مذل، وترك يضرب في الآفاق اثنتي عشر عاماً بين مدن غريبة ومذاهب دينية متناحرة، مرفوضاً من المجتمع والحضارة، رافضاً فولتير، وديدرو، والمسوعة، وعمر العقل، رجلاً طورد من مكان إلى آخر باعتباره ثائراً خطراً، واتهم بالإجرام والجنون، وشهد في شهور حياته الأخيرة تأليه خصمه الألد-نقول كيف حدث أن رجلاً كهذا، بعد موته؛ انتصر على فولتير، وأحيا الدين، وقلب التعليم رأساً على عقب، ورفع أخلاقيات فرنسا، وألهم الحركة الرومانية، والثورة الفرنسية، وأثر في فلسفة كانت وشوينهاور، وتمثيليات شيلر، وروايات جوته، وشعر وردزورث وبيرون وشيلي، واشتراكية ماركس، وأخلاق تولستوي وأتيح له-على الجملة- من التأثير على الأجيال التالية ما فاق تأثير أي كاتب أو مفكر آخر في ذلك القرن الثامن عشر؛ القرن الذي فاق في تأثير الكتاب تأثيرهم في أي عهد سبقه؟ هنا تواجهنا هذه