الابن فهم الآن أكثر من ذي قبل إحساس أبيه الشيخ بأن الملك يجب أن يكون له بعض الحديد في دمه.
وفي ٣١ مايو ١٧٤٠ أسلم فردريك وليم الأول روحه وعرشه وقد أبلاه النضال ولما يجاوز الحادية والخمسين، وآل الملك لمعارض مكيافللي.
[٣ - مكيافللي الجديد]
كان فردريك الثاني في الثانية عشرة منى عمره حين ولى العرش. وكان لا يزال- كما رسمه أنطوان بين قبل ذلك بعام- الموسيقى والفيلسوف رغم دروعه البراقة: قسمات حلوة رقيقة، وعينان واسعتان تختلط فيهما الزرقة بالشهية، وجبين عال؛ "له أسلوب في السلوك طبيعي جذاب، وصوت خافت سار"(٥٨). على حد قول السفير الفرنسي. وكان إلى ذلك الحق تلميذه فولتير، وقد كتب له بعد ستة أيام من تقلده الحكم:
لقد تبدل حظي، وشهدت اللحظات الأخيرة لملك، ومعاناته، وموته. لم يكن بي حاجة وأنا أرتقي العرش إلى ذلك الدرس لكي أشمئز من خيلاء العظمة البشرية … وأرجو ألا ترى في إلا مواطناً غيوراً، وفيلسوفاً تغلب عليه نزعة الشك، وصديقاً صدوقاً. وإني أستحلفك بالله أن تكتب لي كتابتك لإنسان عادي، وأن تحتقر مثلي الألقاب والأسماء وكل مظاهر الزهو والغرور (٥٩).
وعاد يكتب إلى فولتير بعد ثلاثة أسابيع:
"إن ضخامة العمل الذي ألقاه القدر على عاتقي لا يكاد يترك وقتاً لحزني الحقيقي. وإنني أشعر أنني بعد فقدي أبي مدين بجملتي لبلدي. وبهذا الهدف أعمل بكل طاقتي لاتخاذ أسرع التدابير وأصلحها للخير العام"(٦٠).
وقد صدق. ففي غداة توليه العرش، حين حكم من برد الربيع بأن المحصول سيكون متأخراً وهزيلاً، أمر بأن تفتح مخازن الغلال العامة، وأن يباع القمح للفقراء بأسعار معقولة. وفي اليوم الثالث ألغى في جميع أرجاء بروسيا اللجوء إلى التعذيب في محاكمة المجرمين-قبل أن يصدر باكاريا