كانت الدولة الفارسية حين بلغت أعظم اتساعها في أيام دارا تشمل عشرين ولاية أو "إمارة"(ستربية) تضم: مصر، وفلسطين، وسوريا، وفينيقية، وليديا، وفريجية، وأيونيا، وقبادوش، وقليقية، وأرمينية، وأشور، وقفقاسية، وبابل، وميديا، وفارس، والبلاد المعروفة في هذه الأيام باسم أفغانستان، وبلوخستان، والقسم الممتد من الهند غرب نهر السند، وسيمديانا، وبكتريا (بلخ)، وأقاليم المسجينة وغيرهم من قبائل آسية الوسطى. ولم يسجل التاريخ قبل هذه الإمبراطورية أن حكومة واحدة حكمت مثل هذه الرقعة الواسعة من البلاد.
ولم تكن بلاد الفرس في تلك الأيام، وهي البلاد التي قدر لها أن تحكم هذه الأربعين مليوناً من الأنفس مدى مائتي عام، هي بعينها البلاد المعروفة الآن باسم بلاد فارس، والتي يسميها بلاد إيران، بل كانت هي الإقليم الأصغر المصاحب للخليج الفارسي مباشرة من جهة الشرق، والمعروفة لدى الفرس الأقدمين باسم بارش والفرس المحدثين باسم فارس أو فارستان (١٥). وهذا الإقليم يكاد يكون كله صحراوات وجبالاً، أنهاره قليلة، معرضة للبرد القارس والحر الجاف اللافح (١)، ولذلك فإنه لم يكن فيه من الخيرات ما يكفي سكانه البالغ عددهم مليونين من الأنفس (١٧)، إلا إذا استعانوا بما قد يأتيهم من خارج بلادهم عن طريق
(١) يقول استرابون إن حرارة الصيف في السوس تبلغ من الشدة درجة لا تستطيع معها الأفاعي والسحالي أن تعبر شوارع المدينة بالسرعة التي تكفي لنجاتها من الاحتراق بحرارة الشمس.