لقد صاغ تعليمه العسكري في برين Brienne - إلى حد ما - بدنه وعقله وشخصيته ومجال اهتمامه، فهناك تعلَّم كيف يكون لائقاً لكل طقس أو مكان، وأن يفكر بوضوح في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل وأن يميز بين الواقع والرغبة وأن يُطيع الأوامر وينفذها دون تردد وأن ينظر لتضاريس المنطقة من حيث إمكانية حركة الجماعات فيها، هل الأصلح أن تكون حركتها مكشوفة أم من وراء سُتر وأن يتوقع ما يُزمع العدو القيام به من مناورات وأن يستعد لمواجهتها وأن يتوقع ما سيحدث فلا يُفاجأ وأن يلتقي بالعدو لقاءً محسوبا لإلقاء الفُجاءة وأن يرفع الروح المعنوية لرجاله بالخطابة فيهم وأن يعوّض آلامهم ببث روح العظمة والمجد فيهم وأن يحبب إليهم الموت في سبيل الوطن وكل هذا بدا لنابليون عِلْم العلوم، فما دامت حياة الأمة تقوم على إصرارها وقدرتها على الدفاع عن نفسها عن طريق الحرب كَحَكَم نهائي لا خيار سواه إن فشلت الوسائل الأخرى. لقد أعلن نابليون أن فن الحرب دراسة هائلة تضم بين جنبيها كل الدراسات الأخرى.
وعلى هذا فقد تثقَّف بمعظم هذه العلوم التي تُسهم في تكوين علم الدفاع عن الوطن. لقد قرأ التاريخ ليتعلم طبيعة الإنسان وسلوك الدول. ولقد أدهش العلماء في وقت لاحق بمعلوماته عن الإغريق والرومان ومعلوماته عن أوروبا الوسيطة والحديثة. لقد درس وأعاد دراسة معارك الإسكندر، وهانيبال، وقيصر وجوستافوس أدولفوس Gustavus Adolphus وتورين Turenne ويوجين السافوي Eugene of Savoy وفريدريك الأكبر، وقال لضباطه سيروا على نهجهم وارفضوا الاقتداء بغير هؤلاء الرجال العظماء.
وانتقل من الأكاديمية العسكرية إلى المعسكر، ومن المعسكر للحكم، وربما أخذ عن أمه الرواقية (غير العاطفية) موهبة القيادة وعرف أسرارها، وكان لديه الشجاعة لتحمل المسؤولية وللمخاطرة بأمور مجرى حياته مرة ومرة معتمداً على تقديره للأمور، وقام بالمغامرة إثر المغامرة مستهزئاً - غالباً - بالمحاذير. لقد خسر الرهان الأخير، لكن بعد أن فرض نفسه كأبرع جنرال في التاريخ.
وبدأت إستراتيجيته العسكرية باتخاذ إجراءات لكسب عقول رجاله وقلوبهم. لقد شغل