هل الناس فقراء لأنهم جهلاء، أم جهلاء لأنهم فقراء؟ تلك مسألة انقسم عليها الفلاسفة السياسيون إلى محافظين يؤكدون أهمية عامل الوراثة (التفاوت الفطري الموروث في القدرة العقلية)، ومصلحين يعتمدون على البيئة (أهمية التعليم وإتاحة الفرصة). وبازدياد الثروة وتوزيعها ينمو العلم ويتقلص ظل الخرافة. ومع ذلك فانه حتى البلد المزدهر ازدهاراً كبيراً-وبخاصة بين الفقراء المنهوكين والأثرياء الخاملين-نجد أن الفكر يعيش في متاهة من الخرافات: علم التنجيم، حساب الجمل (دراسة المعاني السحرية أو التنجيمية للأعداد)، قراءة الكف، الأعاجيب، الحسد، السحرة، الغيلان، الأشباح، العفاريت، التعزيم لاستحضار الجن، التعاويذ والرقي، تفسير الأحلام، الكرمات والمعجزات، الشعوذة والدجل، الخصائص الخفية، الشافية أو المؤذية، للمعادن والنباتات والحيوانات. فلنتدبر إذن الجو الخانق الذي يسمم جذور العلم بثماره، في شعب ذي ثروة ضئيلة أو مركزة في أيدي فئة قليلة. إن الخرافة لدى ضعاف الأجسام والعقول عنصر ثمين في قصيدة الحياة، تضئ أيامهم الكئيبة بالأعاجيب المثيرة، وتخفف من بؤسها بالقوى السحرية والأماني الخفية.
وفي ١٦٤٦ احتاج سير توماي براون إلى ٦٥٢ صحيفة ليعدد ويعالج في إيجاز الخرافات المنتشرة في أيامه (١)، إن كل هذا الإيمان بالقوى الخفية تقريباً، نما وازدهر