وبينما كانت الكنيسة يبدو عليها أنها آخذة في استعادة مجدها وسلطانها، كان يحدث في أوربا تغير اقتصادي وسياسي وعقلي يعمل بالتدريج على تقويض صرح المسيحية اللاتينية.
ذلك أن الدين يزدهر عادة في ظل النظام الزراعي على حين أن العلم يزدهر في ظل الاقتصاد الصناعي فكل حصاد معجزة من المعجزات في الأرض ونزوة من نزوات الجو، والفلاح الحقير الخاضع لسلطان الجو والذي ينهكه الكدح، يرى من حوله قوات خارقة للعادة في كل مكان، ويوجه الدعوات والصلوات إلى السماء ليسترضيها ويستميلها إليه، ويرتضي الخضوع لنظام ديني إقطاعي يتدرج ولاؤه فيه من السيد المالك إلى الملك إلى الله. أما الصانع في المدينة والتاجر وصاحب المصنع وذو المال فيعيشون في عالم من الأرقام يحسبون فيه العمليات والكميات والأسباب المادية والنتائج المرتقية العادية. وتهيئ الآلة ومنضدة العد والحساب عقولهم لأن يروا حكم (القانون الطبيعي) يبسط سلطانه على أرجاء آخذة في الاتساع. وكان نمو الصناعة والتجارة وتكدس الأموال أثناء القرن الخامس عشر وانتقال العمال من الر يف إلى المدن وقيام طبقة التجار واتساع دائرة الاقتصاد من البيئة الصنفية المحلية حتى أصبح اقتصادياً قومياً ثم دولياً-كل هذا كان نذير شؤم للدين الذي كان يوائم أشد المواءمة نظام الإقطاع وما يطرأ على الحقول من تقلبات تبعث في النفس الكآبة والقنوط. وأخذ رجال الأعمال يحطمون القيود التي يفرضها