كانت قبلة العهد الهلنستي هي الشرق والجنوب وكاد يُغفل الغرب إغفالاً تاماً، وازدهرت قوريني كالعادة وعمها الرخاء لأنها أدركت أن التجارة خير لها من الحرب. ونبغ فيها في ذلك العهد كلمخوس الشاعر، وإرتسثنيز وكرنيدز الفيلسوفان. أما إيطاليا اليونانية فقد أضعفها وأقضَ مضجعها ازدياد سكانها وقوة رومة الناشئة، وعاشت صقلية تتوجس خيفة من قوة قرطاجة، وقام أغنياؤها بثورة بعد ثلاثة وعشرين عاماً من مجيء تمليون Timoleon فقضوا على حكومة سرقوسة الديمقراطية ووضعوا زمام الحكم في أيدي ستمائة من الأسر الألجركية (٣٢٠). ولكن هذه الأسر ما لبثت أن تفرقت وكانت شيعاً، وقضت عليها ثورة من المتطرفين قُتل فيها أربعة آلاف نفس، ونُفي من البلاد ستة آلاف آخرون. ونصب أجثكليز Agathocles نفسهُ طاغية واستعان على ذلك بأن وعد بإلغاء الديون وإعادة توزيع الأراضي (٥١). وهكذا يصل تركيز الثورة من آن إلى آن إلى أقصى حد، ولا تُصلح الحال إلا بالضرائب أو الثورات.
ودامت الفوضى في سرقوسة أربعين عاماً غزا فيها القرطاجيون الجزيرة مراراً وتكراراً، وجاءها ببرس، وانتصر، وهُزِم، وخرج منها، ثم سقطت لحسن حظها التي كانت غير جديرة بهِ في يد هيرون الثاني Hieron خير الطغاة الكثيرين الذين أنتجتهم عواطف أهل صقلية اليونان واضطراب نفوسهم. وحكم هيرون البلاد أربعة وأربعين عاماً "لم يقتل فيها مواطناً واحداً أو ينفيهِ أو يمسهُ بأذى، وذلك بلا جدال أعجب ما سمع بهِ الإنسان" كما يقول بولبيوس (٥٢). وكان هيرون يعيش عيشة متواضعة رغم ما يحيط به من