كانت إنجلترا التي وجدها فولتير أمة تتمتع بربع قرن من السلام النسبي عقب جيل من انتصاراتها الغالية على فرنسا، أمة غدت الآن سيدة البحار، وإذن فسيدة التجارة، وإذن فسيدة المال، ممسكة برافعة القوى وميزانها فوق حكومات القارة، منتصرة في كبرياء على أسرة من الاستيوارتيين حاولت أن تفرض عليها الكثلكة، وعلى ملوك هانوفريين كانوا خداماً لجيب البرلمان المنتفخ. تلك هي إنجلترا التي أحرزت قبل ذلك التفوق العالمي في العلم بفضل نيوتن، وأنجبت لوك الثائر دون عمد منه، والتي كانت تقوض المسيحية بالربوبية، والتي ستحل الشاعر الكسندر "بوب"(= بابا) محل بابوات روما أجمعين، والتي سترقب بعد قليل في قلق عمليات ديفد هيوم العقلية المدمرة. إنها إنجلترا التي أحبها الفنان هوجارت وشجبها بقوة في محفوراته، إنجلترا التي وجد فيها هندل وطناً وجمهوراً مستمعاً، وحجب فيها ضوء كل موسيقار من آل باخ إذ غدا أعظم "مايسترو" أنجبه العصر. ثم هنا، في هذه "القلعة التي ابتنتها الطبيعة لنفسها ضد الغارات .. هذه البقعة المباركة .. في إنجلترا هذه (١) "- بدأت الثورة الصناعية تغير وتبدل كل شيء إلا الإنسان.
[١ - التمهيد للثورة الصناعية]
أ - المؤيدون
رسم ديفو، بعد أن جاب أرجاء إنجلترا في ١٧٢٢، صورة مفعمة بمشاعر الوطنية لـ "أكثر بلاد الدنيا ازدهاراً وثراءً"، صورة الحقول الخضراء والمحاصيل الوفيرة، والمراعي تهيم فيها الخراف الذهبية الفراء، والعشب النضر الغزير يتحول أبقاراً سماناً، والفلاحين يضجون في ألعابهم الريفية، وكبار الملاك في الريف ينظمون شئون