ظل نابليون طوال تسعة أشهر بعد عودته من مصر يعمل على إقناع الأمة الفرنسية بتعريفه للحرية السياسية عن طريق استفتاءات دورية كان يتوقع أن تسفر نتائجها عن كون الحرية السياسية تتفق مع الاستبداد المتنور (حكم المستبد العادل). لقد كانت فرنسا قد تعبت من الحرية الديمقراطية في الوقت الذي كان فيه الليبراليون الإيطاليون يتوقون إليها بعد أن أثار حفيظتهم عودة الحكم النمساوي. فمتى يعود هذا الإيطالي اللامع الذي أصبح فرنسيا (نابليون) إلى إيطاليا ليخرج هؤلاء النمساويين وليجعل لإيطاليا حاكما إيطاليا؟
واستغرق القنصل البارع (نابليون) وقتا مناسبا للإعداد المتقن - وكان الإتقان أول مبادئ إستراتيجيته. وعندما تبلورت الأمور أمامه أخيرا كانت خطته أكثر كفاءة بكثير من هجوم سنة ١٧٩٦: تسلق جبال الألب، ومن ثم الهبوط عليها من الجانب الآخر، وشق القوات النمساوية لتصبح في قسمين، وقيادة الجيش الفرنسي الرئيسي لمهاجمة مؤخرة القوات النمساوية وتطويقها وحجزها مع قائدها العجوز حتى يستسلم الذئب النمساوي للثعلب الغالي (الفرنسي) ويترك له كل الممتلكات الإيطالية غرب فينيزيا Venezia (١٨٠١) لقد كانت خطته أقرب ما تكون إلى خطة سبق أن وضعها ونفذها في سنة ١٧٩٧.
وأعطى نابليون للجمهورية السيزالبية المتمحورة حول ميلان والجمهورية الليجورية Ligurian Republic في جنوى استقلالاً نسبيا، وجعل على رأس كليهما حكاما إيطاليين تحت الحماية الفرنسية. وحتى الآن فإن نابليون لم يقدم على عمل يسبب الإزعاج للولايات الباباوية إذ عقد اتفاقات وفاق مع الكنيسة وارتد عن الإسلام (لم يصبح محمديا Mohammedan) ووافق فرديناند الرابع ملك نابلي على إغلاق موانئها في وجه السفن البريطانية ولم يستطيع نيلسون تقديم يد العون لبلاده لأنه كان مشغولا بمهاجمة كوبنهاجن (٢ أبريل ١٨٠١) وأحس الإيطاليون بيد إيطالية رفيقة كامنة وراء هذا الإنجاز (المقصود يد نابليون) فابتهجوا.
والآن لقد قبضت هذه اليد على زمام السلطة، ففي يناير سنة ١٨٠٢ تقابل ٤٥٤ مندوبا مفوضا من الجمهورية السيزالبية في ليون Lyons وأقروا دستورا جديدا وضعه نابليون وقبلوا اقتراح تاليران Talleyrand بانتخاب نابليون رئيسا للجمهورية الإيطالية الجديدة Republica Italiana. .