في كل ميدان من ميادين الحياة الهلنستية، عدا ميدان التمثيل، نجد ظاهرة بعينها-نجد الحضارة اليونانية تنتشر ولا تنعدم. فقد كانت أثينة تحتضر، وكانت المحلات اليونانية في الغرب، عدا سرقوسة، آخذة في الانهيار والزوال؛ ولكن المدن اليونانية في مصر وفي الشرق كانت في ذروة مجدها المادي والثقافي. وقد كتب بولبيوس، وهو رجل واسع التجارب، غزير العلم بالتاريخ، حصيف الرأي، صادق الحكم، كتب في عام ١٤٨ ق. م عن هذه الأيام "التي تتقدم فيها العلوم والفنون بخطى سريعة (١) "؛ وهي نغمة ألفنا سماعها من غيره من الكتاب. وبفضل انتشار اللغة اليونانية واتخاذها لغة عامة وجدت وحدة ثقافية دامت في بلاد البحر الأبيض المتوسط ما يقرب من ألف عام. فكان جميع المتعلمين في الإمبراطوريات الجديدة يتعلمون اللغة اليونانية ويتخذونها وسيلة للصلات الدبلوماسية، ولنشر الآداب والعلوم؛ وكان الكتاب المؤلف باليونانية يفهمه كل متعلم تقريباً من غير أنباء اليونان في مصر والشرق الأدنى. وكان الناس إذا تحدثوا عن العالم المعمور (الأيكوميني Oikoumene) تحدثوا عنه بوصفهِ عالماً ذا حضارة واحدة، قد أصبحت