تصريف الشؤون السياسية، كما لم يشهد في غير ذلك العهد ما شهده فيه من سيطرة فكرة خدمة الدولة على جميع أعمال الحكومة وأعمال الشعب. ولسنا ننكر أن الشيوخ لم يكونوا ملائكة معصومين من الزلل، وأنهم كانوا يرتكبون أخطاء خطيرة، وأنهم كانوا في بعض الأحيان متقلبين لا يثبتون على سياسة واحدة، يعميهم حب الكسب عن رؤية مصالح الدولة. ولكن الذي لا شك فيه أن معظم أعضاء هذا المجلس كانوا من كبار الحكام، والمديرين والقواد العسكريين، وكان منهم الولاة الذين حكموا ولايات لا تقل سعة عن الممالك، ومنهم أبناء أسر ظلت مئات الأعوام تنجب لرومه ساسة وقوادًا. ولهذا كان من المستحيل ألا يخلو مجلس فيه رجال من هذا الطراز من قسط غير قليل من السمو والعظمة. وكان مجلس الشيوخ في أسوء حالاته في أيام الانتصار وفي أحسنها أيام الهزيمة. وكان في وسعه أن يسير على سياسة واحدة مدى آجال وقرون كثيرة، كما كان في مقدوره أن يبدأ حربًا في عام ٢٦٤ ق. م لا تضع أوزارها إلا في عام ١٤٦ ق. م. وحسبنا دليلاً على عظمته أنه لما جاء الفيلسوف سينياس Cineas إلى رومه موفدًا من قبل بيرس Pyrrhus (عام ٢٨٠ ق. م) وسمع مناقشات المجلس ورأى رجاله ثم عاد إلى بلاده، قال للإسكندر الجديد إن الذي رآه لم يكن مجرد اجتماع من ساسة مأجورين، ولم يكن مجلسًا من عقول عادية جمعتها المصادفات المحضة، بل كان في مهابته وحسن سياسته "مجمعًا للملوك بحق (١٣) ".
[٢ - الحكام]
وكان كبار الحكام تختارهم الجمعية المئوية، أما صغارهم فكانت تختارهم الجمعية القبلية. وكان يعين في كل منصب زميلان متساويان في السلطة، ولا يبقيان فيه أكثر من عام واحد ما عدا منصب الرقيب. ولم يكن يجوز لشخص ما أن يتولى المنصب نفسه أكثر من مرة واحدة كل عشر سنين، وكان لا بد