استحساناً عاماً، وعمد ليبنتز إلى زخرفته بفرضية جلينكس وساعاته: فالجسم والذهن يعمل كل منهما مستقلاً عن الآخر، ومع ذلك يعملان في تناسق محير، مثل ساعتين صنعتا وملئتا ثم بدأتا، في حذق وبراعة إلى درجة أنهما تسجلان الثواني وتدقان الساعات في توافق تام، دون تفاعل أو تأثير متبادل، وهكذا العمليات الجسدية والنفسانية، على الرغم من استقلالهما، دون أن تؤثر إحداهما في الأخرى، فإنهما تتوافقان عن طريق "تناسق وجد منذ الأزل بوسيلة إلهية بارعة توقعية"(٦٤).
ولنفترض أن الذي جال بخاطر ليبنتز، ولكنه لم يهتم بذكره، هو أن العمليات التي هي في الظاهر منفصلة ولكنها متزامنة، عمليات الآلية والحياة، عمليات الفعل والفكر، هي عملية واحدة بعينها، نراها من الخارج مادة ومن الداخل ذهناً. ولو أنه ذكر هذا لكان تكراراً لسبينوزا، ومشاركة في مصيره.
٦ - هل كان الله عادلاً؟
أن هذه الحاجة إلى ستر عرى الفلسفة بأغطية لاهوتية، هي التي أدت بليبنتز إلى تأليف الكتاب الذي أثار حنق فولتير وسخريته، وكاد يضيع مفكراً عميقاً حقاً في صورة الأستاذ بانجلوس الهزلية، دفاعاً عن أحسن العوالم الممكنة. أن العمل الفلسفي الكامل الوحيد الذي نشر في حياة ليبنتز هو "مقال الثيويديسية عن طبيعة الله وحرية الإنسان وأصل الشر"، (١٧١٠) -وهو تقريباً سند مشجع مثل كتاب ديكارت "مبادئ الفلسفة الأولى، التي توضح وجود الله وخلود النفس"(١٦٤١). والثيودريسية معناها عدالة الله أو تبريره (أو الفلسفة الإلهية).
فلهذا الكتاب، مثل سائر الكتب أصل عرضي. وفي مقال عن القديس جيروم، في "القاموس التاريخي النقدي" نجد بيل، على حين يبدي إعجابه الشديد بليبنتز، يعرض رأي الفيلسوف بأنه يمكن التوفيق بين العقل والدين، أو بين حرية الإنسان وقدرة الله، أو بين الشر الدنيوي والطيبة والقوة الإلهيتين. وخير لنا-كما يقول بيل، أن نتخلى عن فكرة إثبات المذاهب الدينية، فإن هذا لا يعني إلا إبراز