المتاعب والصعوبات. وأجاب ليبنتز (١٦٩٨) في مقال كتب لصحيفة جاك باسناج "تاريخ أعمال العلماء". وأضاف بيل في الطبعة الثانية لقاموسه إلى المقال الذي كتبه عن القديس جيروم ملاحظة هامة يحي فيها ليبنتز "ذلك الفيلسوف العظيم" ولكنه أشار إلى غوامض أخرى، وبخاصة في نظرية التناسق الأزلي. وأرسل ليبنتز رده إلى بيل مباشرة، ولكنه لم يطبعه. وفي العام نفسه كتب ثانية إلى عالم روتردام يمتدح "تأملاته الأخاذة" و "أبحاثه التي لا حد لها (٦٥) ". ولم يتسم إلا القليل من فترات تاريخ الفلسفة بمثل ما اتسمت به من الرقة واللطف تلك المجاملة المتبادلة بين بيل وليبنتز في تبادل الأفكار. وأبدت صوفيا شارلوت رغبتها في الاطلاع على جواب ليبنتز على شكوك بيل. وكان بالفعل يعد مثل هذا البيان حين ترامت إليه الأنباء بوفاة بيل. وراجع ردوده وتوسع فيها ونشرها تحت عنوان "التيوديسية". وكان آنذاك في الرابعة بعد الستين من العمر، وأحس بدنو الأجل، وربما هفت نفسه إلى الإيمان بعدالة الله مع الإنسان. كيف يتأتى أن يتلوث عالم خلقه العلي القدير الخير بمثل هذه المذابح العسكرية والفساد السياسي والقساوة البشرية والشقاء والزلازل والمجاعات والفقر والمرض؟
أن "الرسالة التمهيدية عن مواجهة الإيمان بالعقل" وصفت العقل والكتاب المقدس بأن كليهما وحي من عند الله، ومن ثم كان التناقض بينهما أمراً بعيد الاحتمال.
ويتساءل بيل كيف أن الإله الطيب الخير المطلع سلفاً "على كل ما هنالك من ثمار" يمكن أن يجيز إغراء حواء، فرد ليبنتز على هذا بأن الله، لكي يؤهل الإنسان للمبادئ الأخلاقية، خلق له إرادة حرة، ومن ثم حرية الخطيئة، وحقاً أن الإرادة الحرة تبدو غير ملتئمة مع العلم واللاهوت كليهما، فالعلم يرى في كل مكان حكم قانون لا يتغير، والحرية الإنسانية مضيعة في سباق علم الله وحتمية كل الأحداث قضاء وقدراً. ولكننا، كما قال ليبنتز، واعون في عناد وإصرار وبشكل مباشر أننا أحرار غير مقيدين. أننا، على الرغم من عدم قدرتنا على البرهنة على هذه الحرية، يجدر بنا أن نقبلها شرطاً أساسياً لأي معنى من معاني المسئولية الأخلاقية، بديلاً وحيداً لاعتبار الإنسان آلة سيولوجية عاجزة بشكل سخيف مضحك.