وتحدث روسو في ١٧٥٥ عن تلك "الأذهان العالمية التي تهمل الحواجز التي أقيمت لتفصل بين الأمم بعضها عن بعض، والذين مثل الذات العلية التي خلقتهم يحتضنون الجنس البشري بأسره في نطاق النزعة إلى عمل البر والخير (٨٩). وفي مكان آخر كتب في مبالغة ملحوظة "لم يعد هناك فرنسي ولا ألماني … هناك فقط أوربيون" (٩٠) ولم يصدق هذا على النبلاء ورجال الفكر، ولكن في هذه الطبقات امتدت الروح العالمية من باريس إلى نابلي وبطرسبرج. وحتى في زمن الحرب اختلط الأدب بإضرابهم ممن هم في طبقتهم عبر الحدود، فقد رحب المجتمع الباريسي بهيوم وهوراس وولبول وجيبون وآدم سميث، بينما كانت فرنسا مشتبكة في جرب مع إنجلترا. وأحس الأمير دي ليلن أنه في وطنه وعشيرته في كل عاصمة أوربية تقريباً. والجنود أنفسهم كان لديهم شيء من هذه النزعة العالمية. قال فرديناند دوق بنزويك "أنه لمل يشرف كل ضابط ألماني أن يخدم تحت لواء فرنسا" (٩١) وكانت في الجيش الفرنسي كتيبة بأكملها "الكتيبة الملكية الألمانية" مكونة من الألمان. ووضعت الثورة الفرنسية حداً لهذه النزعة العالمية في التوافق الشديد في العادات والعقول، وتضاءلت هيمنة فرنسا، وازدادت الروح القومية.
وهكذا نجد الثورة الفكرية التي كانت إلى حد ما نتيجة رد فعل أخلاقي ضد قساوات الآلهة والكهنة قد انتقلت من نبذ اللاهوت القديم إلى أخلاق قائمة على أخوة عالمية اشتقت من أجمل جوانب العقيدة التي طرحت جانباً. ولكن المشكلة هي هل يمكن لقانون أخلاقي لا يسانده ويدعمه الدين أن يحتفظ بنظام اجتماعي؟ وهي مشكلة باقية دون حل، وهي لا تزال تواجهنا. أننا نعيش هذه التجربة الحرجة الدقيقة.
[٦ - تراجع الديانة]
وفي الوقت نفسه، حتى الآن، بدا الفلاسفة وكأنهم كسبوا المعركة ضد المسيحية. أن المؤرخ النزيه إلى حد الإعجاب هنري مارتن وصف شعب فرنسا في ١٧٦٢ بأنه جيل ليس لديه أي إيمان بالمسيحية" (٩٢). وفي ١٧٧٠ قال المحامي العام سيجويه Siguier في تقرير له: