ونعود إلى الكلام عن راهب آخر، وينبغي علينا في هذه المرة أن نوفيه حقه. فقد رأينا كيف أن شارل ايريني كاستل راهب سان بيير، روع الدبلوماسيين في أوترخت بكتابه "مذكرة في حفظ السلام على الدوام". (١٧١٢). وهي التي أسرت لب روسو وكان كلاهما كما رأينا، بعرض على نادي "أنترسول" خليطاً من أفكار وإصلاحات تقدمية إلى حد أن الكاردينال فليري أحس بأنه مضطر إلى إغلاق النادي إنقاذاً للدولة (١٧٣١). فماذا كانت هذه الأفكار؟
إن شارل هذا، على غرار كثير من الثائرين المتمردين، قد اكتسب ذهنه حدة ومضاء بفضل التعليم اليسوعي. إنه لم يطل به الوقت ليطرح العقيدة السائدة جانباً، وعلى الرغم من إنه ظل يعلن اعتناقه الكثلكة، فإنه ألحق بها أذى ماكراً في "مقالة ضد الإسلام"، حيث أن ما أورد فيها من حجج-مثل فولتير في كتابه "محمد"-يمكن تطبيقه بسهولة على المسيحية التقليدية. وواضح أن "تفسيره المادي" للمعجزات المزعومة التي قال بها البروتستانت والمنشقون والمسلمون" قصد به المثل التشكك في المعجزات الكاثوليكية.
وفي ١٧١٧ ثم في ١٧٢٩ أعاد نشر "مشروع السلام الدائم" بعد التوسع فيه. وناشد ملوك أوربا، ومن بينهم سلطان تركيا، أن يعقدوا ميثاقاً مقدساً يمكن أن يكفل بالتبادل ممتلكاتهم الحالية، وأن تنبذ الحرب وسيلة لتسوية الخلافات الدولية، وأن يخضع هذه الخلافات لاتحاد أوربي تكون له قوة فرض قبول القرارات التي يصدرها. وصاغ نموذجاً لدستور لهذا الاتحاد، مع القواعد التي يمكن اتباعها في إجراءات اجتماعات هذا الاتحاد. وحدد الأنصبة المالية التي تخصصها كل من الدول الأعضاء للاتحاد، ولم يكن أحد ليتوقع تنبؤه بأن مؤتمر فيينا ١٧١٥، سيشكل، على هذه الأسس "حلفاً مقدساً" للإبقاء دوماً على النظم الملكية والإقطاعية، وإخماد الحركات الثورية.