بعد أن يغادر الإنسان قيرونيا مدينة أفلوطرخس يصعد وهو يعرض حياته للخطر فوق اثني عشر ميلاً يلتقي عند آخرها بفوقيس Phocis، ثم يصل عند سفح جبل بارنسس نفسه إلى دلفي مدينة اليونان المقدسة. وعلى بعد ألف قدم من تحتها ينبسط سهل كريسيا Crisaea الذي تتلألأ فيه بأوراقها الفضية عشرة آلاف شجرة زيتونة؛ وعلى بعد خمسمائة قدم أخرى تحت هذا السهل يمتد في الأرض جون صغير من خليج كورنثة، تمر فيه السفن وهي مقبلة من بعيد، تتهادى في بطء وصمت فوق المياه الساكنة الخداعة. ومن وراء الجون سلاسل أخرى من الجبال تكسوها عند مغيب الشمس حلة أرجوانية. وعند منعطف في الطريق يلتقي السائح بنبع كستاليا Castalia في خانق بين الصخور العمودية. وتروي القصص أن أهل دلفي ألقوا إيسوب Aesop من فوق هذهِ الصخور المرتفعة) وأضافوا بقولهم هذا خرافة أخرى إلى خرافاتهِ (؛ كما يروي التاريخ أن فلوميلوس Philomelus الفوقي Phocian طارد اللكريين المنهزمين من فوق هذهِ الصخور في الحرب المقدسة (١) الثانية. ومن فوقها قمتا برنسس التوأمتان حيث سكنت ربات الشعر بعد أن ملت المقام في جبل هِلِكُن. ولم يكن اليونان الذين يتسلقون مئات
(١) لقد أوقد اليونان نار حربين مقدستين بسبب مطالب هيكل أبلو أولاهما من ٥٩٥ إلى ٥٨٥ وفيها قضى اليونان الجنوبيون على ما كان يفرضه أهل سرا Cirrha المجاورة للهيكل من إتاوات باهظة على الحجاج المارين بثغرهم في طريقهم إلى دلفي؛ وكانت الحرب الثانية بين عامي ٣٥٦، ٣٤٦. فيها هزم جيش حلف يوناني بقيادة فليب المقدوني الفوقيين الذين استولوا على دلفي ونهبوا أموال الهيكل. وأدت الحرب الأولى إلى إعلان حياد دلفي وإلى إقامة الألعاب البيثية Pythian، أما الثانية فكانت عاقبتها أن فتحت مقدونية بلاد اليونان.