ولم يعرف ليوبولد ماذا يصدق. فقد بذل كل جهد ليثني ولده المفلس تقريباً عن الزواج، ولكن موتسارت أحس بأنه بعد أن قضى ستة وعشرين عاماً من الطاعة لأبيه آن الأوان لينقذ مشيئته ويحيا حياته. وظل سبعة أشهر يلتمس عبثاً موافقة أبيه، وأخيراً، في أغسطس ١٧٨٢، تزوج دون هذه الموافقة. وفي ٥ أغسطس وصلت الموافقة، وأصبح موتسارت الآن حراً في أن يكتشف إلى أي حد يستطيع المرء أن يعول أسرة بتأليف حشد من أكثر أنواع الموسيقى الرائعة تنوعاً في تاريخ الإنسان.
[٦ - المؤلف الموسيقي]
كان له عذره في الثقة بنفسه، لأنه كان قد أشتهر عازفاً على البيان، وحصل على دروس خاصة لتلاميذ يدفعون أجور مجزية، وأخرج أوبرات ناجحة، فلم يمض شهر على تركه خدمة رئيس الأساقفة حتى تلقى من الكونت أورسيني-روزتبرج مدير مسارح بلاط يوزف الثاني، تكليفاً بتأليف (دراما منطوقة) تتخللها الأغاني، وعرضت النتيجة في ١٦ يوليو ١٧٨٢، في حضرة الإمبراطور، تحت اسم (الاختطاف من السراي). وأدانها فريق من خصومه، ولكن كل السامعين تقريباً فتنتهم الأغاني المرحة التي ازدان موضوع عتيق: حسناء مسيحية يأسرها القراصنة، ويبيعونها لحريم تركي، ثم ينقذها حبيبها المسيحي بعد دسائس لا تصدق. وكان تعليق يوزف الثاني على الموسيقى "أنها يا عزيزي موتسارت أجمل مما تحتمله آذننا، وأنغامها كثيرة جداً". وهو تعليق أجاب عنه المؤلف المتهور "إنها بالضبط يا صاحب الجلال بالكثرة التي يقتضيها المقام". (٣٦) وأعيد عرض الأوبريت ثلاثاً وثلاثين مرة في فيينا في سنيها الست الأولى. وقد أطرها جلوك، وإن أدرك أنها أغفلت تماماً "إصلاحه" للأوبرا، وأعجب بالتأليفات الآلية لهذا الشاب العنيف، ودعاه لتناول الغداء معه.
وقد استمد موتسارت إلهامه من إيطاليا لا من ألمانيا، وآثر اللحن والتوافق البسيط على البوليفونية "تعدد الأصوات" المعقدة المتعمقة. ولم