أثبت فيه أنها وجدت مخالفات كثيرة، لا سيما في تصرفات قاضي القضاة وسلوكه، واتهمته بثلاث وعشرين حالة محددة من حالات الفساد. وأهاب بيكون بالملك أن ينقذه، متنبأ بأن "هؤلاء الذين يطعنون قاضي القضاة الآن، وسرعان ما يطعنون التاج بعده (٣٠) ". وأشار عليه جيمس بإقرار الاتهام، ومن ثم يضرب مثلاً يحول دون الفساد في الوظائف العامة مستقلاً، وفي ٢٢ أبريل أرسل بيكون اعترافاً إلى مجلس اللوردات. وسلم بأنه أخذ هدايا من المتقاضين، كما فعل سائر القضاة، وأنكر أن أحكامه تأثرت بها-فانه كان قد أصدر في قضايا كثيرة أحكاماً ضد مقدمي الهدايا. وحكم عليه مجلس اللوردات "بدفع غرامة قدرها أربعون ألفاً من الجنيهات. وبالسجن في برج لندن لمدة يرضاها الملك، ولا يكون له إلى الأبد الحق في تولي المناصب العامة، وإلا يدخل البرلمان في الدولة بأسرها. "وسيق في ٣٠ مايو إلى برج لندن، ولكن أفرج عنه بعد أربعة أيام بأمر من الملك الذي ألغى كذلك الغرامة التي تبهض كاهله. وآوى قاضي القضاة المعاقب إلى جورهامبري، وحاول أن يحيا حياة أكثر بساطة. ووجد راولي Rawley وهو أول من كتب سيرة حياة بيكون-على ورقة كتبها عند وفاته، بالرمز "كنت أعدل قاض في إنجلترا في هذه السنوات الخمسين، ولكنه كان كذلك أعدل تفريع من البرلمان في هاتين المائتين من السنين"(٣١).
وكانت لهذا الاتهام والمحاكمة آثار طيبة؛ ذلك أنها خففت من الفساد في الوظائف العامة؛ ولا سيما في دور القضاء، كما وضعت سابقة مسئولية وزراء الملك أمام البرلمان. كما أنها صرفت بيكون عن ميدان السياسة، الذي كان فيه متحرراً في التفكير؛ رجعياً في التنفيذ؛ وردته ثانية إلى مجال بديل؛ هو مجال العلم والفلسفة حيث أمكنه "أن يدق الناقوس لتجتمع العبقريات معاً" وأن ينادي في نثر رائع بثورة العقل ومنهجه.
[٤ - التجديد الكبير]
كانت الفلسفة لأمد طويل، الملجأ الذي يلوذ به بيكون هرباً من عناء العمل، إن لم تكن حبه الدفين الذي يطوي علية جوانحه، وأسعد ما يصبو إليه ويقبل عليه؛ وكان بالفعل قد نشر في ١٦٠٣ - ١٦٠٥ مؤلفاً عظيماً The Proficience