وذلك مقابل الحصول على بعض الفرق من جنيف. ومن ثم فإن روح الإصلاح الديني كانت قد تحقق في زيورخ وجنيف قبل ظهور أفكار لوثر بسبع سنوات، وهي سيادة السلطة الزمنية على السلطة الدينية وأصبح الطريق ممهداً أمام زونجلي وكالفن لوضع الأسس المختلفة التي رأوا أنها تزيل هوة الخلاف بين الكنيسة والدولة.
[٢ - زونجلى]
إن زيارة يقوم بها المرء إلى محل ميلاد هولدرايخ، أو أولريخ زونجلى، لتوحى له بالقاعدة غير المضطردة التي تذهب إلى أن العظماء من الرجال إنما يولدون في بيوت متواضعة. ولقد استهل أعظم المصلحين الدينيين العقلانيين، الذين جانبهم التوفيق حياته (أول يناير عام ١٤٨٤) في كوخ صغير بقرية فيلد هاوس، التي تربض في وادٍ جبلي على بعد خمسين ميلاً جنوب شرقي زيورخ في مقاطعة سانت-جولد الحالية، سقف جملوني منخفض، وجدران من ألواح ثقيلة، ونوافذ مقسمة إلى مربعات، وأرضيات مكونة من ألواح مصمتة ضخمة، وسقوف واطئة، وحجرات مظلمة، ودرجات تحدث صريراً، وأسرّة متينة من خشب البلوط، ومنضدة وكرسي ورف للكتب؛ وهذا البيت التاريخي يدل على بيئة كان الانتخاب الطبيعي فيها يتم بصورة صارمة، أما الانتخاب الخارق للطبيعة فقد كان يبدو أملاً لا غنى عنه، وكان والد أولريخ كبير القضاة في هذه القرية الصغيرة المغمورة أما أمه فكانت شقيقة قس معتزة بنفسها. وكان الابن الثالث من بين ثمانية أبناء يتنافسون على الظفر بإعجاب شقيقتين، ويبدو أنه قد قدر عليه أن يكون قساً منذ نعومة أظفاره.
وأسهم عمه، وهو نائب الأسقف في كنيسة قرب فيزين، في تعليمه مع والديه، وكان له الفضل في أن يكون زونجلى نزعة إنسانية اتساع أفق، تميز بها بوضوح عن لوثر وكالفن. وعندما بلغ الصبي العاشرة من