شهد القرن الخامس ذروة مجد الآداب، وشهد القرن الرابع ازدهار الفلسفة، وشهد القرن الثالث ذروة مجد العلوم الطبيعية. ذلك أن الملوك كانوا أكثر من الديمقراطيات تسامحاً في البحث العلمي وأكثر منها تشجيعاً له. من ذلك أن الإسكندر أرسل إلى المدن اليونانية القائمة على ساحل آسية جمالاً محملة بألواح الفلك البابلية لم تلبث أن تُرجمت إلى اللغة اليونانية، وأنشأ البطالمة المتحف الذي كان معهداً للدراسات الراقية، وجمعوا علوم بلاد البحر الأبيض المتوسط وثقافاتها في المكتبة؛ وأهدى أبولونيوس كتابه "المخروطات" إلى أتلس الأول، ورسم أركميديز برعاية هيرون الثاني دوائره. وقد كان لزوال الحدود السياسية بين الأقطار، ووجود لغة واحدة مشتركة، وسهولة تبادل الكتب والأفكار، والقضاء على علم الميتافيزيقا، وضعف الدين القديم، وقيام طبقة من التجار ذات عقلية دنيوية لا دينية في الإسكندرية، ورودس، وأنطاكية، وبرجموم، وسرقوسة، وازدياد عدد المدارس، والجامعات، والمراصد الفلكية، ودور الكتب، كان لهذه كلها مجتمعة مع ازدياد الثروة وتقدم الصناعة، ومناصرة الملوك أكبر الأثر في تحرير العلم من الفلسفة، وتشجيعه في العمل على تنوير الأذهان، وازدياد الثراء وتهديد العالم بأكبر الأخطار.