وحدث حوالي مستهل القرن الثالث- أو لعله حدث قبله بزمن طويل- أن أصبحت علماء الرياضة اليونان أجود وأدق مما كانت باختراع طريقة للعد والحساب أبسط من الطريقة التي كانت متبعة حتى ذلك الوقت. ذلك أن التسعة الحروف الأولى من حروف الهجاء قد استخدمت للدلالة على الأرقام التسعة البسيطة، ثم استخدم الحرف الذي يليها للدلالة على الرقم ١٠، والتسعة التي تليه للدلالة على ٢٠، و ٣٠ الخ، والذي ليلها للدلالة على ١٠٠، والتسعة التي تلي هذا للدلالة على ٢٠٠، ٣٠٠، وهكذا. وعبر عن الكسور والأعداد الترتيبية بوضع شرطة صغيرة مائلة من اليمين إلى اليسار بعد الحرف، فهذه العلامة (مثلاً تدل إما على عشر أو العاشر حسب السياق، وحرف (الصغير إذا وضع تحت الحرف دل على ألف. فكانت هذه الطريقة الحسابية المختصرة وسيلة سهلة للعد والحساب؛ ومن البرديات اليونانية الباقية إلى الآن ما يجمع عمليات حسابية معقدة، تختلف ما بين الكسور العشرية والملايين، في الفراغ أقل مما تشغله أمثال هذه العمليات في طريقتنا الحسابية في هذه الأيام (١).
لكن أعظم ما أحرزته العلوم من انتصارات في الغصر الهلنستي كان في الهندسة النظرية، فمن علماء ذلك العصر إقليدس الذي ظل اسمه مدى ألفي عام مرادفاً لاسم هذه الهندسة. وكل ما نعرفه من يسرته أنه أنشأ مدرسة في الإسكندرية، وأن تلاميذه بزوا كل من عداهم من التلاميذ في هذا الفرع من العلوم؛ وأنه لم يكن يعنى قط بالمال، وأنه حين سأله أحد تلاميذه "ماذا يفيدني تعلم الهندسة؟ " أمر أحد العبيد أن يعطيه أبلة "لأنه يريد أن يربح المال مما يتعلم (١) "، وأنه
(١) ليست هذه البرديات أقدم من مدينة الإسكندرية ذاتها، ولكنها وهي تستخدم حرف الديجما Digamma اليوناني البدائي المهجور للدلالة على الرقم ٦، فإن أكبر الظن أن استخدام الحروف الهجائية للدلالة على الأرقام قد حدث قبل الغصر الهلنستي.