الشعائر الدينية في كل دين عظيم لازمة لزوم العقيدة نفسها، فهي تعلم الايمان، وتغذيه، وتوجده في كثير من الأحيان، وهي تربط المؤمن بربه برباط يريحه ويطمئنه، وتفتن الحواس والروح بمظاهرها الروائية وشعرها، وفنها، وتربط الأفراد برباط الزمالة، وتخلق منهم جماعة مؤتلفة حين تقنعهم بالاشتراك في شعائر واحدة، وترانيم واحدة، وأدعية وصلوات واحدة، ثم يفكرون آخر الأمر تفكيراً واحداً.
وأقدم الصلوات المسيحية هي الصلاة التي مطلعها "أبانا الذي في السموات" والتي مطلعها "نؤمن بإله واحد"، وقبل أن ينتهي القرن الثاني عشر بدأت الصلاة الرقيقة المحببة التي مطلعها "السلام لك يامريم" تتخذ صيغتها المعروفة. وكانت هناك غير هذه الصلوات أوراد شعرية من الثناء والتضرع. ومن الصلوات في العصور الوسطى ما يكاد يكون رقى تمكن من يتلوها من الإتيان بالمعجزات، ومنها ما هو إلحاح متكرر لا يتفق مع تحريم المسيح "للتكرار العديم النفع"(٦٧). ونشأت عند الرهبان والراهبات تدريجياً، وعند غير رجال الدين فيما بعد، عادة استعمال المسبحة، وهي عادة شرقية جاء بها الصليبيون (٦٨). ونشر الرهبان الدمنيك هذه العادة. كما نشر الفرنسكان عادة "طريق الصليب" أو "مواضعه" وهي التي تقضي بأن يتلو المتعبد صلوات أمام صورة أو لوحة من لوحات أو صور أربع عشرة تمثل كل منها مرحلة من مراحل آلام المسيح، فكان القساوسة، والرهبان، والراهبات، وبعض العلمانيين ينشدون أو يتلون أدعية الساعات القانونية - وهي أعية، وقراءات، ومزامير، وترانيم صاغها البندكتيون وغيرهم