ومن العسير أن نقدر نصيب محكمة التفتيش في القضاء على الفترة المزدهرة من تاريخ أسبانيا، الواقعة بين كولومبس وفيلاسكيه (١٤٩٢ - ١٦٦٠) وبلغت هذه الفترة أوجها بمجيء سرفانتس (١٥٤٧ - ١٦١٦) لوب ده فيجا (١٥٦٢ - ١٦٣٥) وذلك بعد انتشار محاكم التفتيش في أسبانيا بمائة عام. ولقد كانت محكمة التفتيش نتيجة كما كانت سبباً لقوة المذهب الكاثوليكي، وسيطرته على الشعب الإسباني، وإن هذه الحالة الدينية، قد نمت خلال قرون في الصراع، ضد المسلمين: ولعل انحلال إسبانيا من جراء حروب شارل الخامس وفيليب الثاني وضعف الاقتصاد الإسباني بفضل انتصارات بريطانيا في البحر والسياسة التجارية للحكومة الأسبوعية، كان أشد تأثيراً في اضمحلال إسبانيا من أهوال محكمة التفتيش. ولقد أظهر الحكم بإعدام العرافين في أوربا الشمالية ونيو إنجلند نزوعاً في الشعوب البروتستانتية قريباً لما في محكمة التفتيش الإسبانية, ومن العجيب أن نقول إن محكمة التفتيش الإسبانية قد عاملت العرافة بتعقل وعدتها وهما يستحق الإشفاق والعلاج لا العقاب. ولم تكن محكمة التفتيش وإحراق العرافين سوى تعابير عن عصر مصاب بالإيمان، الباعث على القتل، لفرط ثقته بعلوم الدين، كما تعود بعض أسباب أو سياسية, ويجب علينا أن نحاول تفهم مثل هذه الحركات بمصطلحات زمانها، ولكنها تبدت لنا الآن أكبر جريمة لا تغتفر من الجرائم التاريخية. ذلك لأن عقيدة سائدة لا تنازع عدو ومهلك للعقل الإنساني.
[٦ - هجرة إسرائيل]
كان الغرض من محكمة التفتيش أن ترهب جميع المسيحيين المحدثين والقدامى على السواء ليتمسكوا بالسنة الظاهرة على الأقل، على أمل أن يقضى على الهراطقة في مهدها وأن الجيل الثاني أو الثالث من اليهود المعمدين سوف