وهي في كثير من الحالات تتفق والتاريخ في الهزء والسخرية، بيد أننا كثيراً ما نفتقر إلى إثبات صحة روايته، ولعل ذاكرته تداعت بينما قوي خياله. ولا نملك إلى القول بأن كتابه من أكثر مخلفات القرن الثامن عشر فتنة واستهواء للقارئين.
وقد عمر كازانوفا حتى ناح على موت النظام القديم فقال:"إيه يا فرنسا العزيزة الجميلة! البلد الذي كانت الأمور في تلك الأيام تجري فيه رخاء رغم أوامر الاعتقال الملكية، ورغم السحرة ورغم فقر الشعب! أي فرنسا العزيزة، إلام انتهى أمركِ اليوم؟ لقد أصبح الشعب ملكاً عليك، الشعب الذي هو أشرس الحكام قاطبة وأشدهم طغياناً"(٤٧).
وهكذا في آخر أيامه، وهو ٤ يونيو ١٧٩٨، أختتم حياته في تقوى أتته في أوانه. "لقد عشت فيلسوفاً وهاأنذا أموت مسيحياً"(٤٨). لقد حسب الفسق فلسفة، ورهان بسكال مسيحية.
[٥ - فنكلمان]
ولننظر الآن إلى رجل مثالي على سبيل المقابلة بينت الأضداد.
وهذا الرجل الذي كان أعظم الشخصيات أثراً في تاريخ الفن في هذا العهد لم يكن فناناً بل دارساً كرس حياته الناضجة لدراسة تاريخ الفن، وحرك موته الغريب روح أوربا المثقفة. ولد في ٩ ديسمبر ١٧١٧ بمدينة ستندال في براندنبورج. وكان أبوه الإسكافي يأمل أن يحترف ابنه حرفته، ولكن يوهان رغب في درس اللاتينية. وقد أدى نفقات تعليمه الباكر بالغناء. ثم تقدم سريعاً مدفوعاً بشوقه واجتهاده. فكان يعلم التلاميذ الذين تنقصهم الكفاية، ويشترى الكتب والطعام. فلما كف بصر معلمه كان يوهان يقرأ له، وراح يلتهم مكتبة أستاذه. وأجاد تعلم اللاتينية واليونانية، ولم يكن ميالاً إلى اللغات الأجنبية الحديثة. وحين سمع بأن مكتبة يوهان ألبرت فابريكوس الدارس الكلاسيكي الشهير ستباع بالمزاد لوفاته، سار ١٧٨ ميلاً من برلين إلى همبرج، واشترى روائع الكتب اليونانية واللاتينية، وحملها على كتفه عائداً إلى برلين (٤٩). وفي ١٧٣٨ دخل جامعة هاله طالب لاهوت، ولم يكن به شغف باللاهوت، ولكنه اغتنم الفرصة