لأن الكثير من النبلاء الأوربيين كانوا ماسوناً، أو روزيكروشيين أو مدمنين على علوم السحر. وهو لم يقتصر على ادعاء العلم الغيبي في هذه الميادين، بل أضاف إلى دعواه القوام الممشوق، والوجه المتميز (وإن لم يكن وسيماً) والتمكن من اللغات، وتأكيد الذات الخداع، ومعيناً من القصص والفكاهات، وقدرة خفية غامضة على الكسب في لعب الورق أو ألعاب الكازينوات. وكان حيثما ذهب يساق عاجلاً أو آجلاً إلى السجن أو حدود البلاد. واضطر بين الحين والحين إلى الاشتباك في مبارزة، ولكنهم كالأمة في مراحل تاريخها لم يخسر قط.
وأخيراً غلبه الحنين إلى وطنه. وكان حراً في السفر أينما شاء في إيطاليا إلا في البندقية. والتمس الإذن مراراً بالعودة، وأخيراً منحه، وفي ١٧٧٥ عاد إلى البندقية. واستخدمته الحكومة جاسوساً، وكان نصيب تقاريره الإهمال لاحتوائها على الكثير جداً من الفلسفة والقليل جداً من المعلومات، فرفت. وانتكس إلى عادات صباه وكتب هجاء للشريف جريمالدي، فأمر بأن يبرح البندقية وإلا واجه السجن مرة أخرى في "ألواح الرصاص". وفر إلى فيينا (١٧٨٢)، ثم إلى سبا، ومنها إلى باريس.
وهناك التقى بالكونت فون فالدشتين، الذي أحبه فدعاه إلى العمل أميناً لمكتبته في قلعة دوكس بيوهيميا. وكانت فنون كازانوفا في العشق والسحر وخفة اليد قد وصلت إلى نقطة تقلصت فيها عائداتها، فقبل الوظيفة براتب ألف فلورين في العام. فلما وصل وتسلم منصبه، أحزنه أن يتكشف أنه أعتبر خادماً، وأن يتناول غداءه في قاعة الخدم. وفي دوكس أنفق أعوامه الأربعة عشر الأخيرة من عمره. وهناك كتب "تاريخ حياته""أولاً لتخفيف هذا الركود الميت الذي يقتلني في بوهيميا الخاملة هذه … وقد استطعت بالكتابة عشر ساعات أو اثنتي عشرة كل يوم أن امنع الحزن الأسود من نهش قلبي المسكين وإتلاف عقلي"(٤٦). وقد زعم الصدق المطلق في روايته،