كان من مظاهر النزاع القائم بين الدين والعلم أن حرمت الشرائع الأثينية دراسة علم الفلك في الوقت الذي بلغ فيه عصر بركليز أعلى درجاته (٦). وكان هذا العلم قد خطا خطوته الأولى في بلاد اليونان حين أعلن أنبادوقليس في أكرجاس أن الضوء يستغرق بعض الوقت في انتقاله من نقطة إلى أخرى (٧). ثم خطى خطوةً ثانية حين أعلن بارمنيدس في إيليا Elea أن الأرض كروية الشكل، ثم قسم هذا الكوكب الأرضي إلى خمس مناطق، وعرف أن القمر يواجه الشمس بجزئه المنير على الدوام (٨). ثم قام فيلولوس Philolaus الفيثاغوري في طيبة فخلع الأرض عن عرشها في مركز الكون وأنزلها منزلة كوكب من الكواكب الكثيرة التي تطوف حول "نار تتوسطها" جميعاً (٩). وجاء لوقيبوس Leucippus تلميذ فيلولوس فقال إن النجوم قد نشأت من الاحتراق المتوهج لمواد "تندفع في مجرى الحركة العالمية للدوامة الدائرية" ومن تجمع هذه المواد وتركزها (١٠). وقام في أبدرا دمقريطس تلميذ لوقيبوس بعد أن درس العلوم البابلية، فوصف المجرة بأنها مكونة من عدد لا يحصى من النجوم الصغرى، ولخص التاريخ الفلكي بقوله إنه تصادم دوري وتحطيم لعدد لا يحصى من العوالم (١١). وفي طشيوز كشف إينوبديز انحراف منطقة البروج (١١ أ). وجملة القول أن القرن الخامس كان في جميع المستعمرات اليونانية عصر تطور علمي عجيب في زمن يكاد يكون خلواً من الآلات العلمية.
فلما حاول أنكساغوراس أن يقوم بمثل هذه الأعمال في أثينة وجد أن مزاج الأهلين ومزاج الجمعية معاديان للبحث الحر بقدر ما كانت صداقة بركليز