مشجعة له. وكان أنكساغوراس قد أقبل على أثينة من كلزميني Chlazomenae حوالي عام ٤٨٠ ق. م. وهو في الخامسة والعشرين من عمره. وحبب إليه أنكسيمانس Anaximenes دراسة النجوم إلى حد جعله يقول جواباً عن سؤال وجهه إليه بعضهم عن الغرض من الحياة: "هو البحث عن حقيقة الشمس والقمر والسماء"(١٢). وأهمل العناية بالثروة التي خلفها له والده وصرف وقته في رسم خريطة للأرض والسماء، وحلت به الفاقة في الوقت الذي رحبت فيه الطبقات في أثينة بكتابه في الطبيعة وعدته أعظم الكتب العلمية التي ظهرت في ذلك القرن.
وكان هذا الكتاب حلقة من سلسلة البحوث العلمية التي قامت بها المدرسة الأيونية، وفيه يقول أنكساغوراس إن العالم كان في بادئ الأمر فوضى أو عماء مكوناً من بذور مختلفة الأنواع (Spermata) ، يسري فيها فكر (Nous) أو عقل مادي، لطيف، قويُّ الصلة بأصل الحياة والحركة في الآدميين، وكما أن العقل يصدر الأوامر إلى الفوضى التي تسود أعمالنا، فكذلك أصدر العقل العالمي أمره إلى البذور الأولية فبعث فيها دوامة رحوية (١)، وهداها إلى طريق نشأة الأشكال العضوية (١٣). وقسم هذا الدوران البذور إلى الأركان أو العناصر الأربعة - النار، والهواء، والماء، والأرض - وقسم العالم طبقتين دوارتين طبقة خارجية مكونة من "الأثير" وأخرى داخلية مكونة من الهواء. وبسبب هذه الحركة الدوارة العنيفة انتزع الأثير الناري الملتف حول الأرض حجارةً من الأرض وأضاءها فكانت نجوماً (١٤). والشمس والنجوم في رأيه كتلة من الصخور حمراء متوهجة أكبر من البلوبونيز مراراً كثيرة (١٥). وحين تضعف حركتها الدائرية تسقط أحجار الطبقة الخارجية على الأرض فتكون شهباً (١٦).
(١) هذه هي الدوامة الذي يسخر منها أرسطوفان في كتابه "السحب" سخريةً لاذعة ويقول إن سقراط قد استبدل بها زيوس.