"عصر العقل" بوجه خاص. وكان الجلد بالسياط أيضاً جزءاً من المنهج، حتى لطلاب الفلسفة، ودون تميز في المرتبة أو المكانة الاجتماعية، فقد جلد من أصبح فيما بعد مركيز دارجنسون ودوق بوفلرز، أمام أقرانهما في الفصل، لأنهما قذفا أساتذتهما الأجلاء بحبات البازلاء (٥).
وعلت الشكوى بالفعل من أن المنهج لم يول عناية تذكر بما وصلت إليه المعرفة من تقدم وازدهار، وأن التعليم كان نظرياً إلى حد كبير، ولا يعد للحياة العملية، وإن الإلحاح الشديد على التعليم الديني قد أفسد الأذهان أو أغلقها. وفي "رسالة عن التعليم" كانت يوماً مشهورة (١٧٢٦ - ١٧٢٨) دافع شارل رولان رئيس جامعة باريس عن المنهج الكلاسيكي (القديم التقليدي) وعن التركيز على الدين. وكان من رأيه أن الهدف الأسمى من التعليم هو خلق أناس أفضل. وأفاضل المعلمين "لا يعنون كثيراً بالعلوم، حيث لا تساعد هذه العلوم على التمسك بأهداب الفضيلة. ولم يكونوا يأبهون كثيراً بالتزود بألوان المعرفة، إذا لم تقترن بالاستقامة وحسن الخلق. وكانوا يؤثرون الرجل الأمين على الرجل العالم الواسع الإطلاع (٦). وقال رولان إنه من الصعب أن نشكل الخلق القويم دون تأسيسه على عقيد دينية. ومن ثم "ينبغي أن يكون الهدف من جدودنا، والغرض من تعليمنا هو الدين" (٧) وسرعان ما يثير الفلاسفة الجدل حول هذا الموضوع، ويستمر الجدل حول ضرورة الدين للأخلاق طوال القرن الثامن عشر، والقرن الذي يليه. وهو جدل حي في أيامنا هذه.
[٢ - الأخلاق]
ويبدو أن حجة رولان كانت تؤيدها الفروق الطبقية في المبادئ الأخلاقية. وإن الفلاحين الذين تمسكوا بدينهم عاشوا حياة أخلاقية نسبياً، وربما كان هذا، على أية حال راجعاً إلى حقيقة أن الأسرة كانت وحدة الإنتاج الزراعي، وأن الأب كان أيضاً المستخدم أي صاحب العمل، وكان نظام الأسرة يرتكز في جذوره على نظام اقتصادي يفرضه تعاقب الفصول ومتطلبات الأرض. واستمسكت الطبقات الوسطى بقدر كبير من العقيدة