الدينية، مما عزز سلطة الأبوين أساساً للنظام الاجتماعي. أما مفهوم الأمة باعتبارها رابطة من الأسرات عبر الأجيال، فقد هيأ لأخلاقيات الطبقة الوسطى قوة التماسك والتقاليد. وكانت الزوجة البرجوازية نموذجاً للجد والتقوى والأمومة. وكانت تتحمل آلام الوضع في صبر وجلد، وسرعان ما كانت تعود إلى عملها. وكانت قانعة ببيتها وعلاقاتها مع جيرانها، وقليلاً ما انزلقت إلى زخرف الدنيا الخداع التي يسخر الناس فيها من الإخلاص على أنه شيء عتيق بال. ونادراً ما نسمع عن حوادث الزنى عند زوجات الطبقة الوسطى. وضرب كل من الأب والأم معاً مثلاً رائعاً في العادات القويمة والتمسك بالدين والحب المتبادل. وتلك هي الحياة التي خلد شاردان ذكرها معتزاً بها، في لوحته مثل "البركة".
ومارست كل الطبقات أعمال البر والإحسان وكرم الضيافة. وكانت الكنيسة تجمع الصدقات وتوزعها. ودعا الفلاسفة المعادون للدين إلى عمل الخير، وبنوا دعوتهم على أن هذا الحب للإنسانية لا حب لله، ومن ثم كانت "الإنسانية" الحديثة نتاجاً للدين والفلسفة معاً. وأمدت الأديار الجياع بالطعام، وعنيت الراهبات بالمرضى، وقامت المستشفيات وملاجئ الفقراء والأيتام والعجزة على الموال التي تدفعها الدولة للكنيسة والنقابات. وكان بعض الأساقفة مبذرين منصرفين إلى متاع الدنيا. ولكن نفراً آخر منهم-مثل أساقفة أوكسير وميربوا وبولون ومرسيليا-وهبوا ثرواتهم وحياتهم لأعمال البر والإحسان. ولم يكن موظفو الدولة مجرد طالبي مناصب أو نفعيين طفيليين، فإن موظفي بلدية باريس كانوا يوزعون الطعام وحطب الوقود والنقود على الفقراء" وفي ريمس خصص أحد أعضاء البلدية ٥٠٠ ألف جنيه للصدقات. وكان بالملك لويس الخامس عشر نزعات إلى الشفقة والعطف والحنان المشوب بالجبن. وعندما خصص مبلغ ٦٠٠ ألف جنيه للألعاب النارية احتفالاً بمولود دوق برجندي الجديد (١٧٥١)، ألغى الملك العرض وأمر بتوزيع المبلغ مهوراً لستمائة من أفقر بنات باريس، وحذت مدن أخرى حذوه. وعاشت الملكة عيشة مقتصدة غير مسرفة وأنفقت معظم