دخلها في الأعمال الخيرية. وكذلك أنفق دوق أورليان ابن الوصي المشاغب الخليع ثروته في أعمال البر والإحسان. ويبدو الجانب غير المشرق في هذا الموضوع في الفساد والإهمال اللذين شوها إدارة المؤسسات الخيرية. فهناك عدة أمثلة لمديري مستشفيات استولوا لأنفسهم على الأموال التي كانت تصلهم من اجل العناية بالمرضى والفقراء.
وعكست الأخلاقيات الاجتماعية طبيعة الإنسان-أناني وكريم، وحشي ولطيف، يخلط بين قواعد اللياقة وسفك الدماء في المعركة. ولعب رجال الطبقات العليا والدنيا ونساؤها الميسر في تهور بالغ، دون إحساس بالمسئولية وبددوا ثروات أسراتهم، وكان الغش في اللعب سائداً إلى حد كبير (٨). وفي فرنسا، كما كان الحال في إنجلترا، أفادت الحكومة من حب الناس للمقامرة بإنشاء "يانصيب" وطني. أما أسوأ مظاهر الحياة الفرنسية وأكثرها مجافاة للأخلاق فهو أرستقراطية الحاشية البالغ الخالي من الرحمة، تلك الأرستقراطية التي كانت تعيش على الدخول التي كانت تبتزها من الفلاحين الفقراء. فإن ملاءات سرير الدوقة دي لافري كانت مشغولة بالمخرمات الغالية الثمن، وتكلفت ٤٠ ألف كراون، وكانت لآلئ ومجوهرات مدام اجمونت تساوي ٤٠٠ ألف كراون (٩)، وكانت الخيانة والخداع أمرين عاديين مألوفين من أعمال الموظفين، واستمر بيع الوظائف والمناصب، وكان مشتروها يستغلونها في الإثراء غير المشروع تعويضاً لهم عما دفعوا فيها ولم يكن قدر كبير مما يجبى من الضرائب يصل إلى خزانة الدولة. وفي غمرة هذا الفساد نمت روح الوطنية، ولم يكف الرجل الفرنسي عن حب فرنسا، ولك يطق الرجل الباريسي أن يعيش طويلاً بعيداً عن باريس. وامتاز كل فرنسي تقريباً بالبسالة. وفي حصار ماهون، ورغبة من المارشال دي ريشيليو في منع جنوده من تعاطي المسكرات، أصدر هذا القائد قراراً يقول فيه "أن أي فرد منكم يوجد ثملاً في المستقبل لن يكون له شرف الاشتراك في الهجوم" فتوقف شرب الخمر تقريباً (١٠)، واستمرت المبارزة على الرغم من كثرة قرارات تحريمها. وقال لورد تشسترفيلد "إن المرء ليلحقه الخزي والعار إذا لم يثر للإهانة، وإنه ليلقى حتفه إذا استاء لها (١١) ".