يلتزم "الإنسانيات"-وهي الدراسات التي حبذها إنسانيوا النهضة الأوربية. وقد اشتمل كذلك على الرقص وركوب الخيل، والمصارعة والمثاقفة، وحتى "حرفة يدوية، بل حرفتين أو ثلاثاً"، معاوناً على الصحة والخلق، لا سبباً للرزق. أما الفنون فتعلم على سبيل الترويح لا الاحتراف، وعلى الشباب ألا يأخذ هذه الأمور مأخذ الجد الشديد، عليه أن يستمتع بالشعر، ولا ينظمه إلا للتسلية، ويجب أن يعلم الاستمتاع بالموسيقى دون أن يحاول إتقان العزف على أية آلة، فهذا يقتضيه الكثير جداً من الوقت، كما أنه يلقي بالشاب في "صحبة غريبة جداً"، وهكذا كانت رسالة لوك تجمع بين المحافظة والتحرر، فهي في استنكارها الاستغراق السكولاستي في اللغات القديمة، وتقليلها من التركيز على الدين واللاهوت، واهتمامها بالصحة والخلق، وجهدها في إعداد الشباب العريق الأصل للحياة والخدمة العامتين، كانت تومئ إلى المستقبل، وكان لها تأثير هائل في إنجلترا وأمريكا. وقد شاركت في تكوين الجانب البدني والخلقي للتربية في المدارس الخاصة " Public" الإنجليزية. فلما ترجمت الرسالة إلى الفرنسية (١٦٩٥) طبعت منها خمس طبعات في خمسين سنة، وأوحت إلى روسو بالكثير من الآراء. أما تلميذ لوك، ايرل شافتسبري الثالث، الذي سنلتقي به ثانية، فلقد شرف نظريات أستاذه وخلقه.
[٣ - الدارسون]
واصل كبار الدارسين صياغة المستقبل بإنارة الماضي، وذلك برغم ما بدأ من انشغالهم باللغات المحتضرة والمناظرات الميتة، ووجد بعضهم أنفسهم مشتبكين في صراع المسيحية من الفكر الحر.
ومن صغار الأدباء والعلماء من يستحق منا لفتة إجلال عابرة. مثال ذلك شارل دوفريسن، سيد كانج، الذي أدهش معاصريه-وقد عرفوه محامياً في برلمان باريس-بإصداره (١٦٧٨) قاموساً للاتينية الحديثة والوسيطة في ثلاث مجلدات، بلغت من دقة الدراسة مبلغاً يجعلها إلى اليوم الحجة في بابها. أما بيير أوويه فقد اكتشف وحقق مخطوطة هامة لأوريجانوس، وتعلم السريانية والعربية، والكيمياء، وأجرى ثمانمائة تشريح، وكتب الشعر والقصة، واشترك