للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحين والحين توقيع العقوبات البدنية على سوء السلوك المعتمد. يضاف إلى هذا "أن تعويد الأطفال في لطف على تحمل درجات الألم دون أحجام سبيل لإكساب أذهانهم الثبات وإرساء أساس للشجاعة والعزيمة في مستقبل حياتهم".

وتربية العقل ينبغي أن تكون تدريباً على طرائق التفكير ومشقة الاستدلال، لا خلاصة للآداب القديمة أو تراشقاً باللغات. ويجب أن تعلم الفرنسية واللاتينية للأطفال في سن مبكرة، وبالحديث لا بالنحو. أما اليونانية والعبرية والعربية فتترك للدارسين المحترفين ويحسن أفراد وقت للجغرافيا والرياضة والفلك والتشريح، وفي مرحلة تالية للأخلاق والقانون، وأخيراً للفلسفة. "ليست مهمة التعليم أن يمكن الصغار من علم بعينه، بل أن يفتح أذهانهم ويشكلها بحيث يتيح لهم القدرة على إتقان أي علم حين يعكفون عليه في مستقبل أيامهم" وكما أن الفضيلة تعلم بالعادة فكذلك يعلم الفكر بالاستدلالات المتكررة:

"ولا سبيل إلى هذا خير من الرياضة، التي أرى بناء عليه وجوب تعليمها لكل من يتاح لهم الوقت والفرصة، لا لجعلهم رياضيين بل لجعلهم مخلوقات مفكرة … فقد ولدنا لنكون-إذا شئنا-مخلوقات مفكرة، ولكن سبيلنا إلى هذا هي الممارسة والتمرين، والواقع أننا لن نتجاوز في هذا ما أوصلنا له جهدنا وعكوفنا … وقد ذكرت الرياضة وسيلة لتقر في الذهن عادة الاستدلال بدقة وتسلسل، … ، فإذا اكتسبوا طريقة الاستدلال التي توصل تلك الدراسة الذهن إليها، استطاعوا نقلها إلى ما يتاح لهم من أقسام أخرى من المعرفة (٢٤) ".

وقد قصد لوك برسالته ضرباً من "التعليم المتحرر"-أي الذي يعني أساساً بالفنون والأدب والسلوك، والذي يهدف إلى إنتاج "الجنتلمان" أي الإنسان "الكريم" المولد، الذي لن يضطر أبداً لكسب قوته بعرق جبينه (١). ومع أن منهاجه يسمح ببعض العلوم، فإنه على العموم


(١) كلمة "جنتلمان" أصلها اللاتيني gens، وهي العشيرة أو الأسرة من الأحرار. والتعليم الحر أو المتحرر liberal كان في الأصل التعليم الموضوع للرجال الأحرار ( liberi) .