غضب أحزنتني … إن هذا الرجل يقف حائلاً بيني وبين عملي، ويربك عقلي؛ وكأني بجواري أحد المحكوم عليهم بالهلاك الأبدي … أي منظر هذا-منظر رجل شرير ضار! لا تدعني أراه ثاني، فهو يحملني على الإيمان بالشيطان والجحيم" (٤١).
وتلقى روسو رداً من مدام ديينيه في ١٠ ديسمبر. والظاهر أن جريم كان قد نقل إليها ملاحظات روسو عن "عبوديته" في الإيرميتاج، لأنها كتب إليه بمرارة غير معهودة فيها:
"كل ما يسعني عمله الآن أن أرثي لك، بعد أن بذلت لك طوال سنوات عديدة كل أمارات الصداقة الممكنة. فأنت شقي جداً … "
"وما دمت مصمماً على مغادر الإيرميتاج، ومقتنعاً بأنه ينبغي لك أن تفعل، فإنه يدهشني أن يقنعك أصدقاؤك بعد إلحاح بالبقاء فيه. أما أنا فلا أستشير أصدقائي أبداً في أمر واجي، وليس عندي ما أزيد في أمر واجبك" (٤٢).
وفي ١٥ ديسمبر، ورغم حلول الشتاء، غادر روسو الإيرميتاج ومعه تريز وكل متعلقاتها. أما أمها فقد أرسلها لتعيش في باريس مع بناتها الأخريات ولكنه وعد بأن يسهم في نفقاتها. وانتقل إلى كوخ في مونمورنس أجره له وكيل للوي-فرانسو دبوريون، أمير كونتي. هناك، وقد ولى ظهره لأصدقائه السابقين، أنتج في خمس سنوات ثلاثة من أعظم كتب القرن تأثيراً.
[٤ - خصامه مع جماعة الفلاسفة]
كان مسكنه الجديد يقع فيما سماه "حديقة مون-لوي" وهو "حجرة واحدة" أمامها مرجة، وفي طرف الحديقة حصن قديم فيه "طاقة خالصة على الهواء". وكان عليه أن يستقبل زواره حين يجيئون "وسط أطباقي القذرة وقدوري المحطمة" ويرتعد مخافة أن ينخسف "أرض الحجرة التي تهدمت" تحت أقدام ضيوفه. ولم يكترث لفقره، فقد كان يكسب ما يكفيه