وفي نحو الحادية عشرة من كل صباح يحضر تدريب جنده وعرضهم. وكانت وجبة الظهيرة الرئيسية تختلط عادة بالمداولات. ثم ينقلب بعد الظهر مؤلفاً، فينفق ساعة أو ساعتين في كتابة الشعر أو التاريخ؛ وسنجده مؤرخاً ممتازاً لأسرته ولجيله. فإذا فرغ ساعات للإدارة روح عن نفسه بالحديث مع العلماء، والفنانين، والشعراء، والموسيقيين. وفي السابعة مساء قد يشارك في حفلة موسيقية عازفاً على الفلوت. وفي الثامنة والنصف يحل موعد حفلات عشاءه المشهورة في سانسوسي عادة (بعد مايو ١٧٤٧)، يدعو إليها أخص أخصائه، وكبار زواره، وأقطاب أكاديمية برلين. وكان يطلب إليهم أن يكونوا على سجيتهم، وينسوا أنه ملك، ويتحدثوا دون خوف، وهو ما فعلوه في كل موضوع إلا السياسة. وكان فردريك نفسه يتكلم في إسهاب، وعلم، وذكاء. يقول أمير لين "كان حديثه موسوعياً، فالفنون الجميلة، والحرب، والطب، والأدب، والدين، والفلسفة، والأخلاق، والتاريخ والتشريع، تعرض على بساط البحث كل في دوره"(٩٢). ولم ينقص الحفل غير مفخرة واحد حتى يصبح مأدبة للفكر. وقد أقبل في ١٠ يوليو ١٧٥٠.
[٦ - فولتير في ألمانيا]
١٧٥٠ - ١٧٥٤
لقد رضى حتى هو عن استقباله. فقد اصطنع فردريك العادات الغالية في الترحيب به. كتب فولتير لريشليو يقول "تناول يدي ليقبلها، وقبلت أنا يده، وقلت إنني عبده"(٩٣). وأفرد له مسكن أنيق في قصر سانسوسي، فوق الجناح الملكي مباشرة. ووضعت خيول الملكة ومركباته، وحوذيوه، ومطبخه، تحت تصرفه. وأحاط به أكثر من عشرة خدم يغالون في العناية به، وخطب وده عشرات الأمراء، والأميرات، والنبلاء، والملكة ذاتها. وقد عينه الملك كبيراً لأمنائه براتب قدره عشرون ألف فرنك في السنة، ولكن أهم واجباته كان تصحيح الفرنسية في شعر فردريك وكلامه. ولم يتقدمه في حفلات العشاء غير الملك. وذهب زائر ألماني إلى "أن مطارحاتها أطرف ألف مرة من أي كتاب"(٩٤).