كان يعيش في إنجلترا عام ١٧٢٦ شاب فرنسي سيتبوأ في تاريخ القرن الثامن عشر مكاناً أهم كثيراً من مكان هندل. لقد بلغ فولتير السواحل الإنجليزية عند جرينتش قرب لندن في ١٠ أو ١١ مايو. وكان أول انطباع له فياضاً بالحماسة. فقد كان أسبوع مهرجان جرينتش، وكادت صفحة التيمز تغطيها الزوارق والأشرعة الضخمة، وكان الملك هابطاً النهر في ذهبية حافلة بالزينة، تسبقها فرقة موسيقية، وعلى الشاطئ رجال ونساء يختالون على جياد تخطر، ثم عشرات من الفتيات الحسان يمشين وقد تزين ليوم عطلة. وأثارت مشاعر فولتير البالغ من العمر اثنتين وثلاثين سنة أجسادهن الرشيقة، واحتشامهن، ووجناتهن المتوردة. على أنه نسيهن حين وصل غلى لندن ووجد أن المصرفي الذي كان يحمل إليه خطاب تحويل على رصيده بعشرين ألف فرنك قد أشهر إفلاسه. وأنقذه أفرارد فوكنر، وهو تاجر التقى به في فرنسا، فأقام عدة شهور في ضيعة هذا البريطاني الكريم بواندزورث، وهي ضاحية من ضواحي لندن. وأرسل جورج الأول إلى فولتير مائة جنيه حين سمع بحادثه المؤسف.
وكان يحمل رسائل تعريف من هوراشيو ولبول، السفير البريطاني لدى فرنسا، إلى كثير من مشاهير الإنجليز، وقد التقى عاجلاً أو آجلاً بكل إنسان تقريباً ممن يشار إليهم بالبنان في ميدان الأدب أو السياسة الإنجليزية. فاستقبله روبرت ولبول، رئيس الوزراء، ودوق نيوكاسل، وسارة دوقة ملبره، وجورج أوغسطس وكارولين أمير وأميرة ويلز، ثم آخر المطاف الملك الذي نفحه بساعة ثمينة أرسلها فولتير عربون صلح لأبيه.
ثم زار "سيدي اللورد بولنبروك وسيدتي الليدي بولنبروك" و "وجد محبتهما لا تزال كما هي (٧٧) ". وفي أغسطس قام برحلة خاطفة إلى فرنسا، وهو لم يزل على تلهفه لقتال روهان، ولكن سبب الرحلة كان في أغلب الظن تنظيم شئونه المالية. وعاش ثلاثة أشهر-بعضها مع سويفت-ضيفاً على الايرل الثالث لبيتربورو. واستمتع