أجناس عصرنا. وتبقى بعد ذلك موسيقى الكونشرتو الشبيهة بأرض صيد سعيدة تحوي كنوزاً منسية، و "موسيقى المياه"، والأوراتوريوات-ولكن حتى هذه الأوراتوريوات "عتيقة"، لأنها كتبت لإنجليز يعدون للمعركة ويهود شاكرين؛ وتحتاج تلك الكوارس الضخمة والحركات الصوتية المتكاثرة إلى معدة ضليعة في الموسيقى لتهضمها-وإن كان مما يبهجنا أن نسمع "يفتاح" و "إسرائيل في مصر" من جديد. ويخبرنا الموسيقيون أي في الأوراتوريوات المهملة فخامة ووقاراً، وسموا في الوجدان، وقوة في التصوير والتعبير والدراما، وتنوعاً وبراعة في التقنية التركيبية، لم يدركها أحد بعده في ذلك اللون من التأليف الموسيقى. وقد عاشت "المسيا" إلى اليوم رغم ما شبها من تكرار وتقطيع أوصال لأنها من جهة تصون وتدخر أهم العقائد المسيحية العزيزة حتى على من تنكروا لها، ولكن أهم من ذلك أن ألحانها العميقة و "قراراتها" المعبرة عن الانتصار تجعلها في جملتها أعظم تأليف مفرد في تاريخ الموسيقى.
وقد أدركت إنجلترا عظمته بعد موته، فلما اقتربت ذكرى ميلاده انضم النبلاء الذين كانوا يخاصمونه من قبل إلى الملك والنواب في أحيائها بثلاثة أيام من موسيقاه. ولما كان مولده في ١٦٨٤ طبقاً للتقويم الإنجليزي، فقد أقيمت أول حفلة في ٢٦ مايو ١٧٨٤ بدير وستمنستر، والثانية والثالثة في ٢٧ و٢٩ مايو. ولم تكف هذه لتلبية الطلب، فأقيمت حفلتان أخريان في الدير في ٣ و٥ يونيو. وبلغ عدد المرتلين ٢٧٤، والعازفين في الأوركسترا ٢٥١، وبدأ الآن ذلك التقليد الذي يسبغ على عروض هندل الضخامة العارمة والجلال الطاغي. وأحيت عروض هائلة كهذه احتفالات لاحقة بذكرى مولد هندل، حتى إذا جاء عام ١٨٧٤ ازداد عدد المشاركين في الأداء حتى بلغ ٣. ٥٠٠. وقد ذهب بيرني الذي سمع أحد هذه العروض الكبرى إلى أن ضخامة الصوت لم تنتقص من حلاوة الموسيقى (٧٨). على أي حال كانت هذه أضخم حفلات أقيمت لإحياء ذكرى أي موسيقي كائناً من كان. والآن وقد خفت فورتها فقد يصبح في الإمكان الاستماع إلى موسيقى هندل من جديد.